ضبابٌ شديد هذه الليلة، حجبَ عنّي رؤيةَ الطريقِ، حاولتُ مواصلةَ القيادةِ؛ لكنّي لم أتمكّن من ذلكَ، مضطرًّا؛ وقفتُ على يمينِ الطريق، خلفَ سيارةٍ لم أتبيّن ملامحها جيدًا، معلنًا خاصيّة الانتظار، وتاركًا ضوءَ السيارةِ العالي يعمل؛ لأعلنَ عن وجودي للقادمين؛ كيلا يصطدمَ بي أحد.
بعد برهةٍ من الوقتِ، انقشعَ الضبابُ قليلًا، وجدتُها سيارةً بيضاء كبيرة، لها بابان في الخلف، أيقنتُ أنَّ سائقها قد منعه الضبابُ من مواصلةِ الطريق؛ فَفَعلَ كما فعلتُ تمامًا.
ثمُّ سمعتُ صوتَ بابٍ يُفتَح، نظرتُ فإذا بهِ عجوزّ يغادرُ السيارةَ قادمًا نحوي، وحينما اقتربَ منّي؛ فتحتُ نافذةَ السيارة، وقلتُ:
_هل أساعدك؟
فقال:
_أنا من يعرض عليكَ المساعدة.
نظرتُ إليه مبتسمًا وقلتُ:
_مَن يُساعدُ مَن؟! أنا أنتظرُ انقشاعَ الضبابِ وحلولَ النّهار؛ كي أكملَ طريقي.
نظرَّ إليَّ وكأنّه يحاولُ أن يحفظَ ملامحي؛ وقال:
_ستتركُ سيارتكَ هنا، وسوفَ تأتي معي، لديَّ رغبةٌ في أن تشاركني الطريق بهذه السيارة.
هالني أمرُ العجوزِ؛ فأغلقتُ نافذةَ السيارة، ظلَّ ينظرُ إليَّ، بينما يحولُ الضبابُ بيني وبين ملامحه، لكنّي كنتُ أرى وجهه؛ وهو يحاولُ أن يحفظَ ملامحي في ذاكرته.
ثمَّ تركني وعادَ إلى سيارته، لمّا جلسَ فيها وأغلقَ البابَ خلفه؛ عادَ إليَّ هدوئي، بقيتُ جالسًا أنظرُ إلى السيارةِ حتّى حلَّ النهار، ثمَّ انقشعَ الضبابُ فرأيتُ الكثيرين ينتظرون على جانبِ الطريق، لقد بدأوا جميعًا في التحرُّك، حتى أنا، إلا تلكَ السيارة التي ظلَّت ساكنة.
دفعني فضولي؛ لأوقظَ ذلكَ العجوز الذي هزمه النوم، غادرتُ سيارتي، ثمُّ ذهبتُ إلى سيارته، وهنا كانت صدمتي، لقد كانت سيارةُ إكرامِ موتى، معلَّقٌ على زجاجها الأمامي ورقةٌ، مكتوبٌ فيها "نأسف للإزعاج، السيارة معطّلة، سوفَ نقوم بنقلها قريبًا"!
تراجعتُ للوراءِ؛ بينما أنظرُ إلى السيارة التي ليسَ بها أحد، نَهَشَتني أنيابُ الخوفِ؛ فلم أجد مفرًّا من العودة إلى سيارتي، والفرار من المكان، وأنا أفكِّرُ في أمر ذلك العجوز، الذي يرغبُ في اصطحابي داخلَ سيارةِ إكرام الموتى!