الثانية فجرا
جاري القمر..
العالم يتخبط والأحداث تتوالى والجدران تتصدع والأعمدة تتهاوى..
بينما أنا هنا كما عهدتني..
أجلس بجوارك..
صامتة.. ساكنة.. أراقبك حينما تكتب وتضحك وتحكي وتشرح وتسهب وتسرح بخيالك..
وأنا أمام كل ذلك الفيض أنهل من تفاصيلك الصغيرة.. وأتشبع منك تشبع الظمآن للماء..
تشرح لي في كل المواضيع.. توصف الأحداث.. وتمنطق الأسباب.. وتفلسف الدوافع..
تكمل نقصي كما اعتدنا.. وتعزز ضعفي.. وتعوض جهلي.. وترجح كفتيّ..
أتظاهر أني أسمعك.. بينما أنا في الحقيقة قد انتقلت لعالمٍ غير ذلك العالم..
لعالمٍ لا يحوي سوانا.. تكون فيه كفايتي واكتفائي..
ألتقط فرشاتك لأرسمك بعد أن سقطت منك في غمرة انشغالك.. فتبادلنا الأدوار رغم جهلي وصرت أنا من يرسم..
انتهيت من اللوحة لأجدني رغم حماستي وانطلاقة أناملي لم أرسم سوى إطار..
سور من حرير..
أو ربما من زهور..
حلم تحيطه زهور..
أو لعلها زهور أنبتها حلم..
لا يهم.. فالإطار هو كل ما يشغلني.. ويهمني..
وهو كل ما أراه..
إطار كامل يحيطني.. يشملني.. يحميني..
يحفظ إتزاني.. وكياني.. ويرسم حدودي..
كذلك الليل البهيم الحنون حينما يحيط بستائره دفتي النهار.. بينما الناس من جهلهم يحسبونه محتال يغتاله لينعم بالظلام..
وأنت كذاك..
أنت ليلي الهادئ.. ونهاري المنير..
سري الكبير.. وفخري المعلن..
أنشودة القمر.. وترانيم الأبدية..
بيني وبينك كما بين الوريد وما يحويه..
بيني وبينك سريان.. جريان.. تمهل.. تعقل.. جموح.. تريث.. جنون.. وطوفان..
تبعثر كياني بكلمة.. وتلملمه بكلمة..
تضحكني بكلمة.. وتشجيني بكلمة..
تطلق نوتاتك بتمكن كأعظم ملحن.. يعرف بالظبط أين يلقي علاماته..
ملحن يعلم متى تتوجب الخفقة.. ومتى نزيد الشهقة.. ومتى يكون التنهيد.. ومتى يجيء الزفير..
ملحن يوقن من سيطرته على قلب معزوفته..
ونسي أن ذلك القلب نابض يحتاج للارتواء..
من قال أن الحب بلا كبرياء..
الحب وقوده الكبرياء..
كبرياء المحب ألا يترك حبيبه لغيره.. حتى ولو أن يتركه لحزنه يفعل به أيما يشاء..
الكبرياء هو أن تنتصر لحبيبك عليك..
الكبرياء في الحب حب..
والغيرة في الحب حب..
كما اللهفة في الحب تيه واغتراب..
اللهفة نار وعذاب..
اللهفة نقطة مؤلمة فاصلة..
فاللقاء بعدها إما يطفئ لهيبًا..
أو ربما قد يتحتم الانسحاب..
فلا تتركني للهفتي.. لحيرتي..
وأعتقد أنني حقًا لا أستحق أبدًا منك مثل هذا العقاب..