عزيزي صاحب المقام الك
تلك هي الرسالة الأخيرة بيننا وأنا أعدك بذلك..
أنت تعلم أنني ما أخلفت وعدا قط.. حتى تلك اللحظة..
حينما أخلفت وللمرة الأولى وعدًا لي..
وعدتك حين أول لقاء بحبي وقلبي وكياني.. وكان وعدًا مقضيًا..
ولكنك مع الوقت قسوت علي وعلى قلبي..
قسوة كادت أن تودي بي.. وتجهز علي..
فلم أملك سوى أن أعد نفسي أن أتوقف عن حبك..
وكان ذلك الوعد الأول والوحيد الذي لم أتمكن من الوفاء به.. ولا أخجل من إعلان ذلك..
لكني أخيرًا وجدت طريقة لتحقيقه..
والوفاء به.. بأنني لن أكون لسواك..
سأفعل ذلك بطريقة تليق بك وتليق بي.. وتليق بعمق ما كان بيننا..
تليق بحبي لك الذي لم تحفظه كما وعدتني..
اليوم شاهدت فيلم "موعد على العشاء"..
ويا لسخرية القدر أن أراه ولأول مرة في مثل هذه الظروف..
لقد عصفت بي مشاهده.. واحدٌ تلو الآخر..
مشهد بينما تمشي البطلة تائهة دامعة.. تقبض صدر قميصها وقد تملكها الألم والخوف والوحدة والوحشة والتوهة..
حركة قد لا يلاحظها الكثيرون.. وربما يظنون أنها حركة عفوية عمدت إليها البطلة من دون قصد..
ولكني رأيتها فسلبت أنفاسي ووقرت في صدري..
وتخبط أثرها بين ضلوعي فعقبه صدى ألمها بداخلي.. الذي يحمل نفس الصدى لنفس المشاعر..
وعصف بي مشهد آخر حين لفظت تلك الصرخة وهي تنظر إلى حبيبها بينما يرقد جثة لا حراك بها..
لتواري مع رحيله ذكرياتها حينما ودعته.. وكأنما تودع آخر أمل للسعادة كانت تحيا عليه..
ثم مشهد الخاتمة..
فرغم هدوئه.. إلا أنه كان صاخبًا للغاية..
وكأن الحياة تضحك ضحكتها الشريرة.. وتتوعد لها أنها لن تذوق معنى للسعادة أبدًا مهما حاولت.. وأنه آن أوان استسلامها.. فتفننت باختيار خاتمة تليق بها.. ثم نمقتها وأهدتها إلى البطلة ونفسها الغالية عليها كي تؤديها بإتقان..
هل عرفت سبب ذكري للفيلم؟!
لقد رأيت نفسي في عيون البطلة..
بمعاناتها.. ودموعها.. وصرخاتها.. وآلامها.. وآمالها.. وخذلانها.. والظلم المفروض عليها دومًا..
فأنا في كل مرة كنت آخذ من الحياة موعدًا مع السعادة كانت تخلفه.. وتخذلني..
رغم أنني كنت أهتم بتأنقي.. وأتجهز لها كما تحلم وتحب.. ولكنها كانت تغيب وتتركني وحيدة للخذلان ينهش في أحشائي وبذلك الرابض بين ضلوعي..
كنت أتابع أحداث الفيلم.. وأتحطم مع كل تحطمٍ لانفراجات الأمل..
وقلبي قبل عيني ينعيان نهاية أعرفها تمام المعرفة حتى قبل بلوغها..
كل ما استوقفني هو ذلك الأزرق الذي يلوح في الأفق..
ذلك الهادر الهادئ وهو يموج في الخلف..
معترضًا بعدما همشوا دوره..
رغم أنه كان يصرخ ويزجر ويزمجر علها تلتفت له وتراه.. وتسمعه..
وتنصت لتحذيراته..
ولكن هيهات.. فقد كانت تسير نحو قدرها مسيرة لا مخيرة..
كالمسحورة..
وهل يشعر المسحور بالسحر الواقع عليه؟
فالواقع في حد ذاته سحر يستحوذ على بصيرة سيئي الحظ..
نعم.. أنت كنت هذا الواقع..
هذا الساحر الذي جاء ليجسد خيالًا لطالما حلمت به..
هربت منك كثيرًا.. بينما ركض قلبي ناحيتك أكثر..
خفت منك كثيرًا.. واطمأننت إليك أكثر..
أحببتك كثيرًا.. ووهبتك روحي وكياني وأكثر وأكثر..
أحببت خنوعي ودلالي وأنوثتي بين يديك.. وطاعتي لك..
ورغم قسوتك وكلامك الجارح.. إلا أنني كنت سرعان ما أنسى إذا ما أشرت لي بنظرة رضا من عينيك..
وفي كل مرة كنت تقسو فيها علي..
وبينما كنت تملي عليك معالم طبائعك..
وتشرح لي أن أعود إلى الوراء خطوتين حين ثورتك وغضبك..
كنت أرجو أن تمشي أنت إلي حينها ولو خطوة واحدة..
تطمئنني بها أنك تهتم لأمري.. وتعرفني قدر حبي لديك..
ولكنك قاسي القلب..
لم تحبني يومًا..
لست أدري من هذا الذي كان يهدهدني ويكرر على مسامعي همسات حبه..
لا أعرف أين ذهب وتركني لوحدتي مرة أخرى..
ولكن بعدما أجهز علي..
وتركني ضحية تجربة لم أكن أتخيل أن أخوضها يومًا أو أن أعيشها..
فبينما كان يتمنى كثيرون من لحظي التفاتة.. لم تبصر عيناي إلاك..
وينتظرون من طرف شفتي ابتسامة.. لم تهف روحي لسواك..
حتى أحرقتها..
أحرقت روحي وأوجعت قلبي.. بينما كانا يجلسان في انتظار كلمة منك كانت ستحييني ولن تضيرك بشيء..
وفي غمرة انشغالك نسيتني.. وأنا التي ما كان لها أن تنساك حتى ولو محوتني من كل دفاترك..
سلبت من صدري الأنفاس وأنا أرقب الطرقات يومًا وراء يوم في انتظارك متلهفة إليك..
أطفأت بريقي ومحوت النور من فجر أيامي..
فصارت كلها في غيابك ظلمات..
ليتك لم تأتِ أبدًا..
ليتني لم أجبك ذلك اليوم..
ليتني لم أجاريك تلك العاطفة الزائفة..
ظننتك خلاصي.. فكنت مُهلِكي..
ورغم أنني أعرف أن القرب بداية كل بعد..
إلا أنني صدقتك.. صدقت أنك أتيت ومعك حنان الدنيا وسعادة قلبي..
صدقت أنك أحببتني بصدق كما أخبرتني مرارًا وتكرارًا..
وأغفلت حقيقة هامة جدًااا....
{{{أنك كأي رجـــــــلٍ..
قــــــــــــــاسٍ جدًا.. وليس لديك قلـــــــب..
فالرجــــــــــــــال لا يعرفـــــــون الحــــــــــــــب..
وأنـــــــى لمن لا يملك قلبًـــــــا أن يخفق نابضه حبًا؟!}}}
ليتني أكون مخطئة..
وإلا فأخبرني بالله عليك ما الذي غيرك.. وبدلك..
أين ذهب ذلك العاشق المحب الصادق؟!
كيف ذهب وقد أخذ معه روحي وأنفاسي وحياتي؟!
فأهلكني.. وأهلك ذلك القلب البريء الذي لم يعرف النبض يومًا إلا له..
أخبرني.. ما السبيل للحياة من دونك؟!
فلست أنا من تنسى قربًا بسهولة..
كيف هانت عليك الساعات والأيام دون محادثتي أو حتى السؤال عني؟!
أخبرني.. كيف استطاع قلبك الزاعم بحبي أن يفعل ذلك؟!
وما السبيل كي أفعل المثل فأنتقم منك؟!
أخبرني كيف استطاع قلبك أن يمحوني ويمحو ذكرياتنا معًا كما فعلت؟!
كيف هنت عليك وهان عليك ودي.. ووردي.. وحبي الصادق؟!
وأخبرني رجاءً..
ما كان عيبي حتى تتركني وترحل؟!
أما عدت تفتقدني؟!
أما عدت تريدني في حياتك؟!
أم تركتني من أجل أخرى؟!
لا.. لا..
أكره أن أراك في مثل هذه الصورة..
عهدتك كبيرًا لا يقوم بصغيرة كتلك..
فقط.. أخبرني بكل شجاعة ووضوح وتفصيل وقوة.. كما عهدتك..
لا ترجئ الأمر.. إن حياتي رهينة بكلمة منك.. فلا تقتلني بالانتظار أكثر من ذلك..
أخبرني الحقيقة وأعدك ألا أجادل..
وسأرحل بعيدًا دون مساس.. ودون كلمة..
ولن أكتب لك مرة ثانية أبدًا.. فذهابي هذه المرة من حيث اللا عودة..
وسأترك لك قلبي.. كما عهدته أول مرة بين يديك..
دافئًا.. نقيًا.. وفيًا..
ولن أعود لآخذه..
فأنا لن أصطحب ما لا أملك.. ولن أهلك وطنًا أنت فيه..
أستطيع فقط أن أعدك بالرحيل..
ولكني لا أستطيع أن أتوقف عن حبك..
فأنى للإنسان أن يمحو من ذاكرته ومن وجدانه جزءًا أصيلًا وغاليًا..
جزءًا عزيزًا وحقيقيًا وخاصًا..
خاصًا جدًااااا..
ولا يتكرر..