عبثية هي تلك الحياة..
قد تطير فرحًا وسعادة وبهجة أحيانًا.. وتغوص بين طيات الألم أحايين أخر..
تتصدرك قسمات قد لا تعبر عما يختلج في نفسك..
تلك النفس التي تترنح هائمة بشوارع لا إشارات فيها تهديها إلى أي الطرق سبيلها..
تظل تركض ما بين ضيائها وعتماتها وروحك تنطق وتشع بالحياة.. حتى تنطفئ..
وحينها فقط يظهر الطريق الذي لطالما بحثت عنه..
وتتجلى المصابيح التي يأخذ نورها بيديك نحو الملاذ الأخير..
تتمسك بتلك المصابيح جيدًا.. ففيها نجاتك.. وإليها ملاذك.. ومعها سكينتك وأمانك..
تغمض عينيك بعد طول عناء.. وتلتقط أنفاسك المهدورة على مر الطرقات..
تعتز بنقاء قلبك.. بطيب نفسك.. بندرة روحك..
فتؤثر سلامتك بأن تعتنق الصمت..
تتشبث بما بقي فيك من حياة..
وتحفظ عليك ما تبقى من آدميتك..
تتوقف عن الشكوى.. عن البحث عن سراب اسمه الحب..
تقنع بالموجود.. وتتعبد عازفًا عن الفناء في محراب الواجد..
تعلم جيدًا حقيقة أنه لا شبيه لك.. ولن يكون..
بعدما علمتك الأيام الكثير..
علمتك ألا تعلق قلبك.. ولا تعذبه وتهدر نبضاته سدى..
وأن تحافظ على رباطة جأشك وإن كانت ظاهرية حتى لا تحرم نفسك لحظات قليلات من سكون..
علمتك أنه لن يفهمك أحد..
فلا أحد يفهم كل تلك المرات التي أغمضت فيها عينيك لتوقف سيل البكاء بداخلهما حتى فاض جفناك ألمًا ووجدًا..
ولا أحد يعلم كل تلك المرات التي التهبت فيها أوتار قلبك بتنهيداتك المليئة بالألم.. فكتمتها لتحفظ ماء وجهك.. خشية شفقة أنت أعز على نفسك منها..
لم يسمع أحد نجوى جمعتك والسماء.. خففت فيها من حمولك وأحزانك وثقل أسرارك التي لم يطلع عليها سواك..
لا أحد يفهم ما تعنيه بوحدتك بينما أنت يحيط بك الآلاف..
تظل تتمزق بين عالمين..
عالم ظاهري معتم أرغموك على العيش فيه.. لا يشبهك هو ولا من فيه.. لا يشعرون بما تشعر به.. ولا يعون من لفظة الإنسانية سوى حروفها المرتبة.. تظهر فيه ثباتك واستمراريتك مهما واجهت.. لا تعرف فيه التوقف وإلا كسرتك الظروف.. ولا حيلة لك فيه دائمًا سوى الانحناء أمامها..
وعالم آخر يكمن بداخلك.. يمتلئ بالمشاعر والحياة والأحلام والألوان.. تعوض فيه ما التهمه منك الآخر.. تصارع فيه كل الأزمات فتنتصر ببطولة القياصرة.. وتتوج من آلهة الرومان إلهًا أبديًا ونجمًا عاليًا خلق ليكون في السماء لا في الأرض..
وتلك هي معركة الحياة..
معركة صامتة لا أبجدية لها.. ولا لغة ولا هوية..
فقط يحكمها قانون الغاب..
"القوي يأكل الضعيف"
معركة لا يعرف ماهيتها إلا من خاض غمارها.. ولا يفيها حق قدرها إلا من عاشها.. ولا يتعلم منها إلا من قدرت له النجاة..
ولا ينجو من براثنها إلا ذو حظ عظيم..
وذلك الناجي فقط من ينجح في رسم تلك الابتسامة الخالدة.. ابتسامة اللوذ بالفرار من النيران التي لا تترك أحدًا دون أن يمسه وصبها..
من يتقن رسم ابتسامته على محياه لتربك من حوله..
بينما هو فقط من يعلم أنها مجرد قناع يختبئ وراءها.. ليحمي نفسه من الفضول والكلام الذي لا طائل من كثرته.. وتكون له عونًا وشريكًا يغنيه عن العالمين..
إنها نوع متفرد من القوة..
قوة تفرضها الظروف.. تمنح فقط لمن حلموا كثيرًا بالحياة وفيها.. فأودت بهم رهافة قلوبهم إلى هاوية لا نجاة منها.. ولا سبيل للحياة بعدها إلا بالصمت ومحاولة الصمود ورسم الابتسام..
حتى يخفوا وراءهم ماضٍ لن ينمحي.. رغم أنه محا معالمهم بكل قسوة بعدما وأدها وأذهب ما تبقى فيها من حب للحياة وكل أمل له فيها..
وتبقى قوة الصمت حينها درعًا يخفي خلفه كثيرًا من المفردات التي لا لغة مهما بلغت فصاحتها قد تعبر عنها ولا لهجة قد تترجمها..
🤍🌸🤍