زارني القمر..
أجلس الآن..
لا يفصل بيني وبين قمري سوى فنجان قهوتي.. ببخاره الذي يتراقص فيغزل حبل الود والوصل بيننا..
أجلس والقمر عشاقًا..
تصادفوا فتعارفوا فتسامروا فتقاربوا فتآلفوا فتحابوا فتوادوا..
فتعاهدوا على الحب حتى الفناء..
أناجيه صامتة بينما قلبي يخفق.. وأنا أغرق بين أستاره السوداء المهيبة..
فيجيبني بغمزة جريئة تخجلني.. ولسان حاله يقول:
- ابتسمي يا حلوتي.. فالكون بأسره لا يحوي من المحبين سوانا.
أغض الطرف غبطة وسرورًا.. فيناديني ضيه أن لا تحرميني مهجة المقلتين يا ساحرة العينين ونادرة الروح..
اااااااه...
كفاكَ غزلًا أيها الخبير بشؤون القلوب والنجوى..
لا طاقة لي بكلماتك.. ولا بسبرك لأغواري..
ارحم ضعفي وبراءتي بين يديك..
وكأنني أستفزه باستعطافي ورجائي فيطمع ويطالب بالمزيد والمزيد.. ينادي:
- أغدقي على السماء بنوركِ جارتي..
يا جنيتي ومجنونتي وجنيني..
وامنحي ذلك الظمآن لروائك ابتسامة ينهل من معينها فيعيش ويحيا.
أواااااه..
أواه يا قلب من معسول كلامه..
وأواه يا نفس من حبيب يعشقك وتشتهينه..
ولا يفصلكِ عن وصله سوى..
فنجان قهوة..
يسمع المحب لنجوى حبيبه.. وكأنه يقرأ أنات الشفاه..
وهدهدات الجفنين.. بينما يرتل القلب في صمتٍ خاشعًا:
- ليتني عندك أمد أناملي فألمس وجنتيك..
ليتني أمتص من رحيق ضيائك ما يروي ظمأ ما قد فات من أيامي..
ليتني أعانق أهدابك بين جفنيّ فأستأثر بك وحدي..
يا من أنت رغم القرب بعيد..
ورغم الوصال عزيز..
ورغم قرب المنال حلم وحيد..
حلم أتأرجح فيه بين رغبة التحليق دون أن أصحو فلا ينتهي..
وبين أمل الاستيقاظ سريعًا لعل يقظتي تكون بين يدي حنانك..
فأنهل من دفئك.. وأتشبع من عبيرك..
ونور ضيائك.. وبهاء بسمتك..
يا من غزوت بمحياك قلبًا لم يهتز وتر له من قبل..
وفتحت أبوابه ودككت أسواره محتلًا وغازيًا..
وخطوت بين أرجائه متهاديًا واثق الخطى..
ملكًا..
فسكنته وملأت كل ركن فيه.. وفي..
حتى صرت ممتلئة بك.. لا أرى من الوجود سواك..
ولا يعنيني من الخلائق إلاك..
جئت عابرًا فاحتللت ما بين المسام والروح والشريان..
وصار الكون الشاسع لا شيء في حضرتك..
أفقدته ببهائك وطلتك المذاق والمعنى والألوان..
كم أنت جميل يا قمري!
نقي وفريد..
كصفحة بيضاء لم تمسها أحبار المؤرخين..
أتيت بفرشتك فرسمتني فوق يسارها النابض وردة تحمل أزهى الألوان..
غلفتها بنورك.. وهالتك..
وحويتها بين كفيك..
كيف أنام يا قمر؟
وكيف يزورني النوم وأنت معي.. تركض بي ممسكًا بيدي؟
تقسم أن تعوضني عن أيام الألم والدموع..
تأخذني ونعبر البحار.. فوق السحاب وعبر المروج..
تتركني كما تشاء أجري وأضحك كما أشاء.. دون خوف أو خجل أو وجل..
عرفت جوهر الطفلة بداخلي وسرها.. فأطلقت لها عنانك كي تنطلق بين ربوع جنانك بحرية وراحة..
وعرفت الشابة المنطلقة.. فأخذت بيدها نحو الحياة ومحوت من قواميسها التردد والترقب..
والأنثى الخجول.. الجموح الحرون.. التي جمعت بين كل ضدٍ ضده.. فوهبتها تاج الكمال باكتمالها بك..
والمرأة المحبة.. الحنون المراعية.. غذيت فيها غريزتها وفطرتها فأشبعتها وتشبعت بها.. فامتزجت بشراييني ودمي حد الذوبان..
روضتني وروضت كل حالاتي وعصوري وأطواري..
باختصار..
لقد جعلتني أعرفني..
وأعرف أنني من الكون بأسره بت لا أريد شيئًا..
ولكنني فقط..
"أريدك أنت"