الثانية فجرا
الثانية ألمًا..
قمري..
دعني أقر بهذا الأمر رغم ثقله على نفسي..
لقد فشلت..
فشلت أن أكمل وأن أستمر وأن أقاوم..
لم أفِ بوعدي..
ذلك الوعد الذي قطعته على نفسي بتلك الليلة..
أتتذكرها؟
تلك الليلة التي توقفت فيها عقارب ساعتي..
وتوقفت فيها "منى" عن النبض..
حين غادرتها كل أمارات الحياة وعلاماتها ونورها ونيرانها..
"منى"
تلك الشغوفة المليئة بالطاقة والحب للحياة وللناس..
انتهت في تلك الليلة التي فصلت ما بين النور والظلام..
والسعادة والانكسار..
تلك الليلة حين وعدتك أني سأمسح دموعي وأرفع رأسي وأكمل مهما كان الألم..
يومها مددت يديك إلي وقلت:
أيلام الذهب على نقائه.. أم يبخس الزيف على دنسه؟
انهضي وأكملي واسعدي..
وأنا بلهفة المشتاق إلى الحياة تشبثت بأناملك ونهضت..
ووعدتك..
وعدتك أنني لن أحلم بعد اليوم..
وأنني لن أهب قلبي لمن لا يعطيه حق قدره..
وسأنأى بروحي ونفسي عن العالمين..
لن أتعلق بعابرٍ لا يعي نفيسة البقاء..
ومقيم لا يستثنيني بين الزحام..
وعدتك أنني سأنقش أحلامي بريشة حروفي على أرض الواقع.. حيث لا سماء تحدها.. ولا أرض تميد بها..
وعدتك يا قمري أنني سأئد أطياف محتلي فؤادي بين طيات تراب النسيان..
وسأنزع عن مخيلتي ذكراهم وذكرياتهم إلى الأبد..
ومر عامان..
عامان يا قمري وما زلت حيث كنت.. على نفس الأرض حيث عاهدتك.. أتلمس شهيقًا يضن على رئتي بنسيمه..
مر عامان يا قمري وما زلت أبكي في جوف الليل..
وأقبع في زاوية غرفتي.. وأنزوي كي ألملم آهاتي..
فأنا مع كل خيبة تواجهني أعود لنقطة الصفر حقًا..
أرثي أيامًا كنت فيها كوكبًا ونيزكًا وشمسًا وكونًا لا يخبو نوره..
حينما كنت أشع ثقة وبهجة ونورًا وطاقة..
حتى تلك الليلة..
فقد أصبحت مذ حينها أتصنع القوة نهارًا فأبتسم بملء في..
وأرنو إلى يديك مساءً كي أبكي بين ذراعيك دون خوف أو خجل أو ترقب او تحامل..
أشكو إليك وجعي ممن حولي.. وقسوتهم.. وجمودهم..
وجفاف نظراتهم وجحودهم..
ملكتهم قلبي الصغير فكسروه ألف مرة..
مرة حين ضمنوه..
ومرة حين اعتادوه..
ومرة حين زهدوه..
ومرة حين سخروا منه وازدروه..
وهزأوا من بساطته وبراءته.. وأحلامه..
وكانت الكسرة الكبرى..
حين تأففوا منه..
فخانوا عهده وتركوه وخذلوه..
رحلوا عن دفاتر أيامي وتركوا ذكرياتهم تحتل كل صفحاته.. ذكريات تحمل ضحكاتهم وعناقهم وغمزاتهم وكلماتهم..
يا ويلي..
لقد فشلت حقًا يا قمري..
لم أنجح في الوفاء بوعدي لك..
لقد تسرب الوقت مني والأيام..
أطلقت عنان أحلامي ومنحتها حريتها..
وتبخرت عمدان مركبة الخيال التي لطالما كانت تقلني لعوالمي الساحرة معك..
حتى أنوثتي تبخرت تحت وطأة الأحزان..
وواريت صوتي وقصائدي التراب.. كما فعلت بأحلامي وضحكاتي..
أرجوك صدقني..
لقد حاولت مرارًا وتكرارًا ولكني فشلت..
حاولت الصعود إلى عنان السماء ولكن زلت قدماي.. فقد حرمونيها بوخزهم..
حاولت التحليق فقطعوا أجنحتي.. وسقط..
حتى أحلامي لم أقدر على تحقيقها ولا نسيانها.. ولم أسع لتجسيدها..
لذلك أعترف إليك الآن وكلي أسف..
أني فشلت..
لقد وعدتك يا قمري وللمرة الأولى في حياتي أخلف وعدًا..
لا أعرف بأي وجه الليلة آتي إليك وأعترف..
وأي لغة تلك التي قد تحوي مفرداتها ما يرسم شعوري بالخزي والألم..
وأي حرف ذلك الذي قد يكفيني للاعتذار..
فقط..
سأترك لروحينا ملكة المناجاة..
فلطالما كانت الأصدق والأنقى والأقوى بيننا..
ولا أرجو منك سوى أن تمنحني بعضًا من رحمتك..
بعضًا من تفهمك واحتوائك..
وأرجوك أن تمد يديك وتلتقط ما تبقى مني..
فلقد فقدت في الحياة أملي..
ولم يعد لعمري يا أملي..
أملًا سواك..