عزيزي صاحب المقام الكبير
طمئني عليك يا ضي سمائي..
فأنا أعيش على همسك وأنفاسك..
وأمضي في أيامي على أمل لقائك يومًا ما..
حك لي من خيوط الأحداث رداء يحويني..
فيتقن ضمتي.. ويذهب رجفتي..
ويبدد وحشتي من دونك..
وانسج لي من حرير أهدابك غطاءً ناعمًا حنونًا يمحو قساوة الأيام..
وافرش لي من كفيك أرضًا تحملني..
ومن أنوارك غطاءً يستأثر بي لنفسه.. ولك..
يراودني الحزن عن نفسي منذ يومين..
فتارة ألبي نداءه وأهمس: "هيت لك"
وتارة أتمرد عليه وأتوكأ على نشوة الذكريات بيننا..
فأتمنع وأزجره صارخةً: "إليك عني"
وما بين وحدة وأنس..
وما بين دفء وبرودة..
أعلنت احتجاجي..
سأحيل همسي إلى حروف..
وسأذرف حبات شوقي إليك أناتٍ وكلماتٍ وعبارات..
جهزت قائمة من الضحكات بيننا..
وكشف مفصل لغمزاتك.. ودعاباتك.. وأوامرك.. ونواهيك.. وعبوسك.. وضحكاتك.. و.. و...
ربما لن تكفي ورقة أو حتى مجلد..
حسنًا.. سأكتب حروف اسمك..
وقلبانا يدركان البقية.. وسيتوليان المهمة خير تولٍّ..
بدلت إعدادات الكتابة من العربية إلى الإنجليزية..
علني أجد في زخم مفرداتها المزيد..
بحثت في بلاغيات الأنجلو ساكسون القديمة..
عساي أجد ما أصف به شعوري..
فيرضيني ويفيه حقه..
ويفي حق حبك..
ثم من الإنجليزية إلى الفرنسية.. تلك الساحرة الأنيقة..
لغة العشاق والجمال..
غزلت من بعض أضوائها جملتين:
- Je t'aime beaucoup.
- Tu es mon amour.
ولكن.. لم تروِ ظمأي.. ولم أشبع منها شوقي وعواطفي وحنيني..
ومن لغة إلى أخرى أبحر وأختبر..
حتى أدركت..
إنه أنت.. وأنت فقط..
أنت اللغة التي على لمسات أناملها تعلمت الأبجدية..
أنت مصدر كل كلماتي الجميلة.. ونبع كل نصوصي..
من وحي وجودك أنهل الإلهام..
وما بين عينيك أبحر وأغوص وأغرق..
بين أمواج أفكاري..
أستلهم منك حروفي..
فأبعثرها.. خجلى من نظراتك وغزلك..
فيرق قلبك لحالي.. وتحنو عليّ كما على حرفي..
فتجمعها بهدوء.. وترتبها بأناقة.. وتصفها بثقة..
بين سطوري.. وحناياك..
حقًا إنك أنت لغتي.. وترجماني.. ومعلمي.. وناصحي..
أنت حرفي المتلعثم على أطراف شفتي..
وأنت الكلمة القاطعة من بين كل تهتهتي..
أنت الفراغ بين السطور..
والوقت المستقطع للراحة من بين كل جولات الحب العنيف..
أنت إيقاعي.. ونغمي.. ولحني الفريد..
والشعور القوي المنير الذي لا يخبو نوره.. ولا ينطفئ..
أنت دقة الساعة وراء الدقة الأخرى.. التي تعلن اقتراب وقت اللقاء..
أنت قلمي المطيع الذي لا ينتهي مداده..
وناصحي الذي يعلمني كيف ألتقطك..
أبوح للودع بسري..
فتسمع همسي وتشاركني.. وتعينني..
وتساعدني كي أضع سن القلم على أول السطر..
فينطلق كالجواد الجامح يصول ويجول بين الصفحات بلا تعب ولا ملل ولا سأم ولا توقف..
حتى يهدأ قلبي..
وتتدفق كل مشاعري وتنساب على صفحاتي حرة سعيدة راضية..
لتشير أنت لعيني الملاحقتين لعينيك بأن:
"كفى.. آن أوان نقطة النهاية"
فأرسم تلك النقطة بكل إعزازٍ.. وانصياعٍ.. واستسلامٍ لروحك التي لا تُقاوم..
ثم تبتسم أنت لي..
فتشرق الشمس.. وتلمع السماء.. وتتراقص السحب..
وأبتسم أنا..
فتسعد وتنتشي..
تعرف أثر ابتسامتك عليّ جيدًا..
وتتقن كيف تجعلني أبتسم..
تعرف أنك أجمل ما قد حدث لي في هذه الدنيا..
وأجمل ما قد يحدث لي..
وليتك سائر أمري..
ترتب كلماتي كعازف ماهر يتقن فن العزف بامتياز على أوتار القلوب..
وترص تعبيراتي ببراعة كما تُرص الزهور بكل اهتمام وحب في باقات العشاق..
فدعني أعترف لك اعترافي الأول والوحيد والأخير:
"كل ما أكتبه يعود إليك.. وكل ما أهمسه لا أقصد به أن يصل لسواك.. وكل جميل بي لا أرغب أن يحسه غيرك..
فأنت لغتي.. وأنت أصل حروفي..
وأنت النص الخالد.. الذي منذ أن بدأ بك..
لا ولن ينتهي"
الليلة السادسة والعشرون