ماذا فعل لك أبوك حتى تهجره وتقاطعه؟!
ماذا فعل لك أبوك حتى تنهره وتفرض عليه شروطا لفض الخصام؟!
ألم يحملك على أكتافه؟ ألم يعمل بالليل قبل النهار لتوفير حاجاتك وإشباع رغباتك؟!
لن تدرك الكم الهائل من المعاناة التي تحملها عنك إلا حينما تصبح أبًا مثله وتوضع مكانه..
قد يعارضك في بعض قراراتك لصالحك، ليس تحكما فيك، فمهما بلغت من العمر لن تمر بما مر به، ولن ترى ما رآه.
رفضه لأفعالك دومًا هو حرص عليك، فما أصابك من هم وغم إلا وقد أصابه أضعاف مضاعفة منه، من قبلك.
لا تجادله وإن كان على باطل، أبو "إبراهيم" عليه السلام لم يكن على حق، وكفر بالله، ومع ذلك خاطبه إبراهيم بأدب، قائلا له يا "أبتي" بصوت يرتجف خجلا وخوفًا أنْ يعقه.
لم يقل له: يا كافر، أو يا عبد الأصنام.
انحنى ظهر أبيك لكي تستقيم حياتك، اشتعل رأسه شيبا وما زال يكافح لأجل إسعادك، تنام مطمئنا لأنك تعلم أنه موجود، لكن؛ هل كل نوم ذو مأمن بوجوده؟!
ماذا فعلت لك أمك حتى تدعها تذرف الدمع كل ليلة؟!
ماذا فعلت؟ ألم تحملك وهنًا على وهن، وفصالك في عامين؟! رغم آلام المخاض الذي أصابها لإنجابك وثقلك وكثرة الضغط عليها، وعدم راحتها طيلة التسعة أشهر، إلا أنها تناست ما حل بها لحظة ولادتك، تحملت من أجل ابتسامتك الصعاب، تنام وعينها لا تنام، تسهر على راحتك، وإنْ مرضت يصيبها السهر والحمى، ولا يهدأ لها بال إلا أن تتعافى.
أفق عزيزي، الآن؛ ما زال هناك وقت لتقبيل أيديهم، والعمل على إسعادهم، ونيل رضاهم، لعل غدًا تقتلك الحسرة والندم، ولن تجد للسماح سبيلا.
اسأل من خسر أحد والديه عن مرارة الحرمان، وانعدام الأمان، وخسارة البركات، ومشقة السير؛ حقا يا له من خسران!
اذهب الآن إليهم، وقبل يديهم، توسل إليهم بالسماح والعفو والرضا، فـ رضا الوالدين من رضا الله.
دعوة أمك ليس بينها وبين الله حجاب؛ بسببها تفتح مغالق الأبواب، ألست بحاجة إليها؟
رضا أبيك نعيم معجل لك، وباب من أبواب الجنة لا يسد،
اهرع إليهم واطلب منهم السماح قبل فوات الأوان، لعلك غدًا لا تلقاهما إلا ذكرى تملؤها الحسرات.
أرجو أن يحرك الكلام شيئا فيك، وتذهب إليهما تتوسل وتتطلب العفو.. أرجو ذلك..