كيف لنا أن نمضي وكأن شيئًا لم يكن؟!
كيف لنا بعد أن تعاهدنا بحفظ الوتين أن نرخي أيادينا ونفرغ ما بجعبتنا دون مراعاة لما تعاهدنا عليه؟! كيف لأحاديث الأعين أن تضل بين الخداع والكذب؟! كيف أصبح سحر الأعين يحوي كل هذا الخداع؟!
الكثير من الكيف والكيف والحيرة بين بصيرة الأعين وواقع خداع!!
في الحقيقة، لم يكن كل هذا الخداع دون وعي، أدركت منذ الوهلة الأولي أنها متاهات خداعة، ألقت الأعين رمقها الكاذب لعلها تصيد فريستها لكي تغذي غرورها الجامح ويعلو كبرياؤها علوًا كاذبًا. منذ أن أدركت مراوغتها أسرعت لمصافحة المتاهات لعلها ترشدها ضالتها، لم يكن الإرشاد ميسرا من المتاهات، ولكنه تيسير إلهي، لتصحو من غفلة الخداع إلى واقع تملأه الصدمات، ورغم ذلك لا زلت على العهد باقيًا يغلبها إسهاب الشوق ويشعل بالفؤاد الأنين، تخمد الأعين الدمع الجاري بين أهدابها، تشتاق تارة ويغلبها الحنين تارات أخرى، لكن للنفس عزة يقودها الكبرياء، اُرغمت أن تبتعد رغم تمنيها البقاء ودوام الوصال، لذواتها أحاسيس تشعر ما تستتره القلوب، فلا تسأل واصلا لم انقطع الوصال، يعز عليها إغلاق الباب الذي تمنت أن يبقي مفتوحا، لكنها تأذت، لم يكن بالحب الذي كانت تحلم به يومًا، كان فؤادها بالهوى مُتيما وفؤاده خاليا من الهوى، أغدقت عليه حبًا لعلها تجد فيه مودتها فلم تجده إلا شحيح الوداد، أثقلها بالندوب وبات الشوق بينهم مندوبا.
عفوًا، لم تعد بالاعتذار تُبالي، اتسعت الفجوات بينهما فلم يعد يكفيها من الوصال وإن كان بالكيل.
إحداهن عزيزة النفس، كبرياؤها الفطري يمنعها من الصفح بعد الفراق، آلام الفراق أيقظت قواها، اعتادت الوحدة، لم تعد تبحث عن الأنس، لم يعد الفراق يقتل الأمل فيها، أصبحت تؤمن بأن العوض لم يكن فيمن أرخى يداه عنها، وأن الجبر وإن تأخر لوقته موعد وقدره آتٍ لا محالة.
أتقنت فن الاستغناء، فلم تعد ترهن حياتها بأحد، ولا تراهن على دوامة بجانبها، أدركت أن النفوس تتبدل كالفصول، والقلوب في تقلب ولا تثبت على حال.