ودّعتُ اليومَ عامي الأربعين وفقا للتقويم الميلادي ــ وتلك قصة أخرى لأن عمري على التقويم الهجري أكبر من ذلك ــ وقد اعتدت في مثل هذا اليوم من كل عام أن أطرح منظوري نحو هذا العالم المُحَيِّر والمجنون والمفعم بالغرابة والدهشة على حدٍ سواء.
كان عام 2024 بالنسبة لي هو عام الأحداث الكبرى على صعيد العمل والحياة والعلاقات الإنسانية، ففيه شهد العالم أحداث ربما لم يرها منذ أن سطعت شمس الله فوق الأرض..
موت رئيس وانتخاب آخر وحروب واغتيالات ومآسي وانهيار أنظمة وصعود أخرى وإبادة جماعية وجرائم حرب وهكذا وهكذا..
وإنني أجلس الآن عند لوحة مفاتيح حاسوبي لأصف ما أشعر به في تلك اللحظة، وأجد نفسي في حاجة إلى من يصف لي هذا الشعور، مثل طبيب يحار في تطبيب نفسه ويبحث لنفسه عن الطبيب.
ولعل هذا نوع من الإحساس يختلط فيه تدبر الماضي بالتجهز إلى المستقبل والاستعداد له بكل رباطة جأش.
إن ملخص خبرتي في هذه السنوات أن مستقبل الإنسان مهما بلغ فهو متر في مترين تحت التراب.
نعم: هكذا بكل بساطة.
إنني الآن رجل أربعيني.
أي رجل كهل.
أعرف الحقيقة المطلقة وأضعها صوب عيني كل يوم وكل ليلة.
ألم أقل إنني أصبحت رجلا كهلا؟!
ما أسهل هذه العبارة على رجل عاش حياة الشيوخ في شبابه ويعرف أنه قد يعيش حياة الشباب في شيخوخته إن قدر الله وأمد له في عمره. وما أصعبها على من قضى شبابه غارقا في التيه والملذات.
في معاجم اللغة تصف العرب من بلغ الأربعين بـ"الكهل" وقد وردت تلك اللفظة في القرآن الكريم مرتين منهما: {وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ} (آل عمران: 46)
وأنا الآن أجد نفسي في لحظة تدبر وتأمل في الحياة لعلي أبحث فيها عن الإخفاقات والإنجازات سواء بسواء.
لقد أخفقت كثيرا لكنني أفخر بأنني حاولت وما أزال أحاول وأقف في جبهة المحاولة متشبثا بالصبر في مواجهة الصعاب حتى لو كان وقوفي بدون زاد أو عتاد.
هذا العام أردت أن أختبر مقداري عند الناس.
فوجدت عشرات الرسائل والمكالمات والمعايدات.
ففهمت أنني قدمت شيئا نافعا لهؤلاء الناس.
فاطمأن قلبي.
وأحمد الله على ذلك.
حدث هذا في يوم تزدحم فيه الأفراح بالحلوى بالاحتفالات بالانشغالات.
إنني لا أملك إلا أن أحمد الله أن هداني إلى معرفة الحقيقة.
حقيقة الدنيا الفائتة الزائلة.
وضآلة ما بها من زينة وزخارف.
وأجد نفسي أردد قولة شوقي: "شَيّعتُ أَحْلامي بقلبٍ بـاكي"
لا أعرف الآن كيف أصف الدنيا.
فإذا كانت الدنيا مثل الحرب.
وإذا كانت الحرب تتكون من معارك.
فإنني أعلن أنني خسرت بعض المعارك.
لكنني ربحت الحرب.
نعم أيتها الدنيا: لقد واجهتك وصمدت أمام جيوشك.
خسرت بعض المعارك لكنني انتصرت عليك في مجمل الميادين.