امتناع مصر والجزائر وتأييد المغرب
إيران إذ تصطدم بالتحالف الأوروبي ــ الأمريكي في فيينا قبل شهرين من قدوم ترامب
1ــ قبل شهرين بالتمام والكمال من تسلم الرئيس المنتخب دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية في 20 يناير 2025 اصطدمت إيران بالتحالف الأوروبي ــ الأمريكي الذي يريد استثمار كل الأوراق السياسية الدولية للضغط الجيوستراتيجي والحصول على مكتسبات في ملفات متعددة.
2ــ فقد اعتمد مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية المكون من 35 دولة يوم الخميس 21 نوفمبر 2024 قرارًا ينتقد رسميًا إيران بسبب عدم تعاونها بما يكفي في ما يتعلق ببرنامجها النووي، بناء على مشروع قرار قدمته الترويكا الأوروبية (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية.
3ــ الملاحظ في هذا القرار أن 19 دولة فقط قد أيدته وهي: أمريكا، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، إسبانيا، الأرجنتين، أستراليا، بلجيكا، الإكوادور، أوكرانيا، كندا، جورجيا، اليابان، كوريا الجنوبية، المغرب، إيطاليا، لوكسمبورج، هولندا، باراجواي، بينما عارضته روسيا والصين وبوركينا فاسو.
4ــ لكن الملاحظ بشدة أكثر أن الدول الـ12 الباقية التي امتنعت عن التصويت، هي: جنوب إفريقيا، الهند، باكستان، إندونيسيا، البرازيل، غانا، تايلاند، الجزائر، أرمينيا، بنجلاديش، كولومبيا، مصر.
5ــ وهنا يمكن التوقف عند امتناع مصر عن تبني مشروع القرار لأنها تعلم علم اليقين أن هذه الوكالة لا تمارس عملها على نحو تقني وأن عملها تعلو فيه السياسة على الأمور الفنية النووية ومعنى الامتناع عن التصويت هو عدم اقتناع القاهرة تماما بالمسوغات التي ساقها مشروع القرار الأوروبي ـ الأمريكي.
6ــ ومن المهم للغاية التأكيد على أن امتناع مصر عن التصويت هو موقف سياسي سديد لدولة عريقة وكبيرة ومسؤولة بحجم مصر، ومعناه أن القاهرة لا تدعم طهران لكنها لا تؤيد تسييس المواقف التقنية النووية، كما يعني أن العلاقة بين الدولتين الإقليميتين الكبيرتين في طور التطور الملحوظ على كل المستويات.
7ــ وقد سبق وأعلنت القاهرة في مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية موقفها القائم على ضرورة مساءلة إسرائيل عن برنامجها النووي المكتمل، وتفتيش مفاعل ديمونة وأخواته، بدلا من شغل الوكالة بالبرنامج النووي الإيراني المحتمل، لكن الغرب طبعا لا يكترث بمثل هذه النداءات طالما أنها اقتربت من الدولة الخنجر التي زرعها في خاصرة الشعوب العربية والإسلامية بالشرق الأوسط.
8ــ اللافت هنا أن جروسي كان في إيران وسمحت له السلطات يوم الخامس عشر من نوفمبر 2024 بالذهاب إلى أخطر موقعين في البرنامج النووي الإيراني وهما منشآتا فوردو وناتنز بالرغم من أن هذا الإجراء جر على حكومة بزشكيان متاعب داخلية ليس أقلها اعتراضات صارخة قادها نواب في مجلس الشورى، وليس أكثرها انتقادات بالجملة في أغلب الصحف بالبلاد.
9ــ كما أن التأييد المغربي للقرار يمكن التوقف عنده بالتحليل، وهو تأييد سياسي نظرا لتناقض المواقف الإيرانية ــ المغربية في السنوات الأخيرة، لاسيما بعد اتهام المغرب إيران صراحة بدعم جبهة البوليسار الصحراوية الانفصالية بالمال والسلاح وخاصة بالطائرات من دون طيار الإيرانية المتقدمة، بل ووقوف إيران إلى جانب الجزائر في كثير من الاختلافات مع المغرب وهذا الموقف ليس وليد اليوم بل يعود إلى 45 عاما مضت منذ نشوب الثورة الإيرانية لعام 1979م.
10ــ وعندما كان جروسي في طهران أخبره محمد إسلامي نائب الرئيس الإيراني ورئيس هيئة الطاقة الذرية الإيرانية أن إيران سترد على أي قرار للوكالة في اليوم نفسه وقبل أن يجف الحبر المكتوب به؛ ما كان يعني أن إيران لديها الخطة "أ" والخطة "ب" في حال أجهض القرار أو تم تمريره كما حدث يوم الخميس.
11ــ في وقت باكر من صباح الجمعة 22 نوفمبر 2024 أعلنت إيران عن صيغة سياسية فريدة وشبه نادرة ردا على هذا القرار إذ أصدرت بيانا مشتركا عن المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية "سازمان انرژی اتمی ایران" ووزارة الخارجية الإيرانية يقضي باتخاذ إجراءات فعالة، بما فيها وضع مجموعة كبيرة من أجهزة الطرد المركزي الجديدة والمتطورة وبأنواع مختلفة في الخدمة.
12ــ وهو ما يشير إلى أن التصعيد هو سيد الموقف الراهن بين إيران في خندقها وخلفها روسيا والصين، وبين أوروبا وخلفها سيدتها أمريكا في الجانب الآخر من جبهة الصراع، وأن هذا التصعيد سيكون ورقة من ورقات اللعب الأمريكية في عهد ترامب الذي سيواجه إيران 2024 المختلفة مع أوروبا على عكس إيران 2016 التي كانت في أعلى مستويات التنسيق مع هذا اللاعب الذي يتهم على منابر الجمعة في طول البلاد وعرضها بأنه تابع ذليل للإرادة الأمريكية التي تملى عليه من خلف المحيط.
13ـــ في المجمل يمكن التأكيد على أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، هي مؤسسة سيئة السمعة في إيران كما أن مديرها الأرجنتيني رفاييل جروسي هو أيضا شخص سيء السمعة، ويشار إليه في الأدبيات الإيرانية بأنه لا يمارس عملا فنيا وتقنيا نوويا بل ينفذ أجندات من يدفعون له راتبه وهم الأوروبيون والأمريكان، ويشي هذا التصعيد الراهن بأن مستويات الصراع آخذة في التطور بين إيران ودول الناتو الداعمة لدولة الإجرام والإبادة الجماعية المسماة بـ"إسرائيل".