حين خدعنا إحسان عبد القدوس وهزم العقل زورا في نزاله أمام الجسد
١- في روايته الذائعة قدم المرحوم الأستاذ إحسان عبد القدوس واحدة من أكثر العلاقات البشرية تعقيدا حين احتدم الصراع بين الراقصة والطبال.
٢- والصراع هنا في هذه الرواية التي حولها السيناريست العبقري مصطفى محرم إلى فيلم شهير أدى بطولته أحمد زكي (الطبال) ونبيلة عبيد (الراقصة) ليس صراعا بين شخصين في فريق عمل واحد، بل هو أعمق من ذلك بكثير.
٣- لقد حاول إحسان عبد القدوس أن يقدم لنا الصراع الأزلي بين الجسد والعقل وبين الإيقاع والأداء أو بين الفكر والفتنة، من خلال الصراع الذي احتدم بين بطلي الرواية وانتهى بانتصار ساحق للجسد على حساب العقل.
٤- هنا تكمن خطورة هذه الرواية؛ لأنها أخضعت الأجيال المتعاقبة لسطوة الاستسلام إلى سلطة الجسد عند أي صراع بينه وبين العقل، ومكمن الخطورة أن الرواية حكمت على العقل بالجنون والاستسلام إلى الضياع المهني التام والتشرد والإدمان، بينما أضفت الذكاء بالكامل ونزعته نزعا من العقل ومنحته للجسد الذي تمثله الراقصة.
٥- صحيح أن الجسد انتصر على العقل في نهاية الرواية؛ لكنه انتصر؛ لأن الكاتب خدع القارئ وتعمد أن يظهر العقل في صورة ضعف غير حقيقية، والصحيح أن الجسد هو الضعيف وأنه أسير لسلطة العقل يحركه كيف يشاء، والدليل أن الراقصة لو أصيبت بالجنون مهما كانت جميلة لم يكن لها أن تحصد النجاح والشهرة والمال.
٦- وآية ذلك وبرهانه أن الصراع بين الراقصة والطبال كان على جمهور من مدمني الخمور وعباد الشهوة في ملهى ليلي، لكن لو نقل لنا الكاتب هذا الصراع إلى جمهور آخر في مسجد أو جامعة؛ لانتصر العقل فورا على أي جسد مهما أوتي من صفات الفتنة واللذة وإسالة لعاب الاشتهاء.
٧- يخطئ من يتصور أن المقصود في الرواية والفيلم هو الصراع بين الراقصة والطبال أو بين مباهج وعبده؛ لكن الصراع هنا على أشده منذ خلق الله الخلق بين الفكرة والشهوة، وبين اللذة والسعادة، وبين العقل والجسد، والأكيد أن النصر الدائم في ذاكرة الأمم والشعوب للعقل، على امتداد عصور التاريخ، مهما تصور الجسد عكس ذلك.