١- في صباح مثل هذا اليوم الخامس من سبتمبر عام 2005 تلقى طارق محسوب أبو النصر دعوة من فرقة مشاركة في عروض مسرحية تقام مساء اليوم ذاته على خشبة مسرح قصر ثقافة بني سويف.
٢- وطارق محسوب أبو النصر، هو شاب وجيه ومشهور من محافظة بني سويف ينتسب لعائلة أبو النصر العريقة، وهو طالب في الفرقة الرابعة بجامعة الأزهر الشريف، نال نصيبه من الصيت لأنه يخطب الجمعة ويكتب الشعر والقصة القصيرة ويمني النفس أن يكون عالما أزهريًا مرموقا.
٣- بحلول المساء كان طارق قد تأهب تماما لمشاهدة العروض خاصة مع علمه بأن فرقا من الفيوم سوف تحل وتقدم فنها إلى جانب نخبة من فناني بني سويف.
٤- في تمام الثامنة مساء انتعل طارق حذاءه الفرنيه الأسود ماركة دانييل هشتر وارتدى بذلته الكحلية الأنيقة التي كان قد اشتراها توا من هارمونت أند بلين وأخبر والدته بتوجهه إلى القصر.
٥- وقف طارق محسوب أبو النصر أمام فيلا أبو النصر وأشار لسائق تاكسي ولما ركب السيارة وأغلق الباب سأله السائق: إلى أين تتجه يا طارق بك؟ أجابه: قصر الثقافة، لكنه لم ينته من قولته حتى رن هاتفه السيمنز الأزرق ورأى على الشاشة رقم شمس واسمها وكان قد سجل رقم هاتفها باسم "لوفيه دو سوليه" وهي جملة فرنسية تعني شروق الشمس فضغط بيسراه على الزر الأخضر فطلبت منه أن يقابلها فورا لأمر طارئ.
٦- وشمس هو اسم الشهرة لفتاة لم تعرف بني سويف لها مثيلًا في تاريخها الطويل، جميلة حد الفتنة، ورائعة حد السِحر، وتنتسب لعائلة وضيعة حد الاشمئزاز، يشي مظهرها الفاتن بأنها طالبة في كلية الطب؛ لكنها لم تدخل المدراس ولا تعرف القراءة والكتابة.
٧- فجأة وجد سائق التاكسي طارق محسوب أبو النصر الذي كان قد انغمس حتى أنفه في دوامة الحب التي يطاردها النسيان مع فاتنة بني سويف التي لا تتكرر، يسند رأسه على أعلى الكرسي ويطلب منه أن يتوجه إلى نادي المهندسين حيث تنتظره شمس.
٨- خطا طارق محسوب أبو النصر بيمناه داخل النادي فرأت شمس الاستقبال الحافل الذى حظى به طارق من الناس وفطنت إلى أنها عثرت بالفعل على الشاب الحسيب الوجيه المرغوب من كل بنات المدينة، وتعجبت كيف لشاب في مكان طارق ومكانته أن يحب فتاة وضيعة يعمل أبوها قوادا وأمها تبيع عورتها مقابل 20 جنيها في الساعة؟!
٩- اقترب طارق من شمس وضبط هاتفه في وضع الصامت؛ حتى يتفرغ لتأمل جمالها الأخاذ ويتدبر قسمات وجهها التي غمرتها النشوة، ونصاعة بشرتها النادرة، وبريق عينيها الساحر، واستدارة شفتيها الورديتين، ودقة أنفها المازندراني المدبب، وشموخ حاجبيها المقوسين، وحدة أسنانها اللامعة، وانعكاس وجهه في قلادة عنقها الخلاب.
١٠- دار بينهما حديث سوف تحكيه شمس لشقيقتها عبير وتروي لها كيف افتتنت بطارق وتقص تفاصيل الساعات الثلاث التي قضتها بين يديه.
١١- وكم كان غريبا لشمس أن طارق لم يمسها ولم يبادر حتى بأن يقترب منها مثلما ترى نظرات التوحش والجوع في عيون كل رجال المدينة. والأغرب والذي لم يجد له طارق تفسيرا إلا بعد انقضاء حصة الحب المتعففة، هو صوت أبواق سيارات الإسعاف المتواصلة الذي علا عليه همس الغرام وغطاه.
١٢- خرج طارق من البهو النهري الخالد لنادي المهندسين؛ فوجد والدته قد اتصلت به ست وخمسين مرة، غير أنها لم تكن تعلم أنه خارج نطاق الواقع، ولم يكن يعلم أن أصدقاءه قد أكلتهم النيران في أشهر حريق عرفته بني سويف في تاريخها الممتد لخمسة آلاف عام، ولم يكن يعلم أن قصر ثقافة بني سويف سيصبح حديث العالم في هذا المساء السويفي الطويل.
#شارع_النجارين
#تأملات_ليلية