بعُكَّازه الغليظ كان يضرب الأرض وهو يخرج نحوي، أمسك ذقني بقوة وقال لي: لقد انفصل عن زوجته بسبب إهمالها وقلَّة حيلته، لكنني لن أسمح له بوضعك أنتِ علاجًا لجروحه، أو دواءً للنسيان.
- لكن يا جدي...
- لا يوجد لكن يا ابنتي زيد يكبرُكِ بعشرين عام، أنتِ تستحقِّين شاب تعيشين معه جميع مراحل عُمرِك للمرة الأولى وتعيشي تجربة الزواج بدفء وحياة..
لم أكُن قادرة على البوح بحبي الكبير له أو أنني أردته معجزتي مهما كان الأمر صعبًا.
غصَّت بكلماتها وذرفت دموعها التي قامت بحبسها لوقتٍ طويل، لذلك قرر إيقافها وهو يعانق جسدها الضئيل وهو يقول:
- سأكمل لكم الحكاية بعد تناولنا العشاء فهذا هو الجزء المُفضَّلُ لدي...
- ضحك الجميع وهم يوافقون الرأي على ما قاله، أما هي فكانت تنظر إليه بعينين تلمعان بالحُبِّ والامتنان لوجوده إلى جانبها.
ألتفَّ الجميع حوله وهم يجلسون فوق العشب الأخضر ينتظرون سماع بقية الحكاية لكن هذه المرَّة من فم الرجل الذي تلقى جميع التُّهم والإهانات بصلابة وصبر.
كانت فتاة صغيرة بعيني قبل فترة طويلة، لكن في ذلك اليوم كنت أرى فتاة شابَّة بهدوئها ونعومتها، كانت تمشي على استحياء وهي تنظر نحو الأرض، واثقة من نفسها دون تمرُّد، جميلة بعيونها العسلية وبشرتها الصافية ونعومتها، وقعت داخل قلبي.
في البداية ظنَنتُ أنني أعيش اختلاطات واندفاع شعوري بسبب قوة جاذبيتها، أو بسبب انفصالي عن زوجتي.
لكنني قررت الذهاب إلى العم أبو أحمد وطلب يدها للتعرُّف إليها عن قُرب، وأنا متأكد من موافقته بسبب حبِّه وثقته بي، لكنني لم أتوقع رفضه التام لهذا الأمر..
عُدتُ في تلك الليلة وأنا أحملُ غضبًا عارمًا داخلي، وقد قررت بأن أتراجع عن فكرة الارتباط أو الزواج من امرأة أخرى، فوجدتني أغرق داخل العمل لساعات طويلة دون التفكير في العودة إلى المنزل حتى ينهكني التعب.
إلى أن جاء اليوم الذي أتت به ميلا إلى مكان العمل، كان زميلي ينظر إليَّ بدهشة وهو يخبرني عن وجود فتاة شابة تنتظرني في خارج الشركة، لم تَكُن مفاجئة لزملائي فقط بل لي أيضًا.
كانت تحملُ باقة من التوليب وهي ترتدي فستان أبيض تربط شعرها بإحكام وتنظر إلي بعمقٍ شديد، اقتربت مني بخطواتٍ ثابتة مرَّة وعشوائية بعض الشيء لكنَّها كانت تشعلُ قلبي في كُلِّ خطوةٍ تمشي بها نحوي، الآن عرفت ما كان ينقصني، غيابها هو ما كان يغضبني.
أمالت رأسها نحوي وهي تهمس لي:
- هذه لكَ أنت، هل تعتقد أننا يمكن لنا أن...
في تلك اللحظة وضعتُ يدي على فمها قبل أن تكمل جملتها الأخيرة، شعرت بأنفاسها المُلتهبة ونبضات قلبها المضطربة، ودمعة عينيها التي سالت على وجنتيها في الوقت الذي ركعتُ أمسكت يدها وأنا أسألها للمرة الأولى: هل تقبلين بي زوجًا لكِ؟!
هزَّت رأسها بالإيجاب وهي وتُعانقني بشدَّة، حينها فقط أعطتني القوة والدافع لخوض تلك المعركة وكسب حبِّها الكبير وابنتنا الصغيرة.
اقترب منهما وهو يعانقهما بامتنان وسعادة قبل أن ينهي القصة: معها تعلَّمت كيفية صنع المعجزات، واليقين باستجابة الله تعالى لدعواتنا، ومنها أخذت القوة الاستمرار في هذه الحياة، فكانت لقلبي القوة الناعمة.