"قذيفة صاروخية تقلبُ حدود الزمان والمكان، وتحيلُ بين يديه وجسد طفله الرضيع، أعادته ذاكرته نحو النقطة الفاصلة والتي حوَّلته من طفلٍ ضعيف إلى رجلٍ محارب قوي، للحظة التي ودَّع بها أخيه تحت الحُطام كان يُمسكُ يدَ أخيه الصغيرة يحاول بِكلِّ ما أوتي من قوَّةٍ أن يعيده نحو الحياة، لكن الرُّكام والردم حال بينه وبين جسده.
صرخ وجعاً وألماً باسمه علَّه يُلبِّي نداء الشوق، أما قلبه كان يبحثُ عن أُمِّه وبقيِّة عائلته دون جدوى.
نشجَ دموعاً بسخاء وكرَّر محاولاته العبثية، الموتُ محيطٌ بالمكان وغزَّة ترجف عزَّةً وكرامة بمواجهة العدو الذي لا يرحم شيبة الكبار أو طفولة الصغار، لا يهاب دموع الأمهات أو الإنسان الأعزل، حتى أشجار الزيتون أُحرِقَت دون رحمة!
مازال الوقت باكراً للسقوط ردَّدها في أعماق روحه مراراً وهو يحاولُ النهوض من جديد، يضع يديه فوق صدره وهو يوثِّق وعوده وعهود أجداده بإكمال الحرب التي كُتِبَ على أجداده من قبله أن يدخلوها لاستعادة الوطن والحرية التي أُخِذَت ذات غَدرٍ.
صوت يدوي المكان لترجف الأرض من تحت أقدامه تعيده نحو الواقع، خبَّأ في سرِّه دعوات بأن لا يخسر أحبَّته للمرة التي لم يَعُد يذكرُ فيها كم فقد من أحبَّة، لكن الموت والحرب كانت أقوى من أمانيه، لذلك قرر ملاقاته دون إكتراث.
كادت خطواته أن تتعثَّر مرات عديدة، تساقطت معها بذور من زهور الياسمين والريحان التي ستنبتُ أملاً وقوُّة للجيل الآتي بعده، وثقته بعودة فلسطين عربية.
وإن اختفَت خطواته مع مرور الأيام، لكن عقيدته وإصراره حُفرَت داخل حدود الأرض، وفي ذاكرة التاريخ. "






































