حتى بائعة الورد تشتاق لأن يهديها أحدهم وردة ولو عن طريق الخطأ، لذلك قررت كتابة هذا الإهداء إلى نفسي التي استحملت وتجلَّدت أمام الصعوبات التي واجهتها برفقتي على مرِّ السنوات.
أنتِ قوية وجميلة لأنَّك استطعت الفوز بنفسك والثبات على مبادئك في هذه الحياة، بالوقت الذي مالَت عقول الرجال ولان الحديد الصلب.
هكذا أخبرتها بائعة الورد الصغيرة وهي تُعطيها وردة حمراء أمام مَمرِّ المُشاة، مدَّت يدها ومسحت دموعها، عانقتها لفترة قصيرة ورحلت دون أن تلتفت للمرة الأخيرة، غادرتها وهي في دهشة كبيرة، كيف يمكن للمرء أن يواسي إنسان آخر وهو مُمتلئ بالأحزان.
وهل يُقارن حزنها الصغير بما تحمله هذه الفتاة الشابَّة من أعباء يقع فوق كاهلها؟!
نفضَت من رأسها جميع الذكريات الجميلة والسيئة، وفي قرارة نفسها تعقدُ العزم في البحث عن تلك الفتاة ومساعدتها كما فعلت معها في تلك الليلة.
لذلك أخبرت صديقتها المقربة بما حصل معها، وقررت الذهاب إلى حارات دمشق القديمة للبدء في البحث عن بائعة الورد التي لم ترَ ملامحها، كانت تمشي بين الممرَّات الضيقة وهي تنظر إلى الجدران القديمة والعبارات المُخطَّطة باللون الأسود مُمزوجة باللوحات الفسيفساء والزجاج وأخرى بالألوان المائية.
وفي لحظة من اللحظات اشتمَّت رائحة النارنج التي و سبقَ لها أن علقَ بعضًا منها في ثيابها حينما عانقتها تلك الفتاة.
قامت بأخذ وردة حمراء من الحديقة العامة واقتربت منها وهي ترسم على شفتيها ابتسامة عريضة، هذه المرَّة تفحَّصت ملامحها وتفرَّست عيونها الرمادية وشعرها الأشقر الغامق.
جلست أمامها وهي تنظرُ إليها برضا وامتنان، لكن ما جعلها في حالة من الحيرة، هو استرسال الفتاة بالنظر نحو الجهة الأخرى، وحينما التفتت إليها اكتشفت وجود كتب مدرسية مفتوحة أمامها و تدرسُ منها.
فتاةٌ تحملُ الكثير من الأحلام والطموحات التي جعلتني أخجل من همومي القليلة وأحزاني، دموع عيني التي انسابت على وجنتي في الليالي الطويلة، على شابٍّ طائش حسبته رجلٌ ذات حلم.
ربَّتت على كتفي وهو تنظر إلى داخل عيني وكأنها قرأت ما يجول داخلي وهي تقول لي بسكينة:
- لا تستصغري أحلامك أو أحزانك، جميعنا نمتلك منها ما يكفينا وما لا تُطيقه قلوبنا.
- حملتُ هموم أُمي وأخوتي الثلاث الصغار منذ وفاة والدي الذي مضى عليه تسعة شهور، لقد كُنت في الدرجة الأولى على المرحلة التي أما فيها حتى أن المعلمة جلبت لي منحة دراسية في مدرسة معروفة، إلا أنني اضطررت إلى العمل ببيعِ الورود من أجل جلبِ المال دون مد يد الحاجة أو الكفاف من الناس.
- ولطالما ذهبت إلى مسجد الحي المقابل لي لأصلي لله وأحمده على نعمه الكثيرة..
- - نعمه الكثيرة!! قلتها وأنا أنظر إليها بدهشة لقد مسَّها من المصائب ما هو الكثير ولكنَّها تنظرُ إلى النعم التي أنعمها الله عليها.
- ابتسمت وهي تُكمل كلامها:
- - نعم يا عزيزتي، الله أنعم علينا بالاطمئنان والعافية والصحة، جميعنا أصحاء الحمدلله و نمتلك قوت يومنا، ومنزل دافئ يأوينا ونُحبُّ بعضنا بعضًا، ولدينا العقل السليم والهداية للدعاء إليه.
- وطالما امتلكنا القوة والإرادة فبإمكاننا تغيير واقعنا الذي نعيش فيه.
- أمسكت القرآن الكريم وقرَّبته من وجهي وهي تقول لي :
- إذا لم تحاولي وتبذلي مجهود لتغيير الواقع الذي أنتِ فيه الآن، ستبذلين ضعفه من أجل التأقلم على واقع لا تريدينه.
قبلتني من جبيني وهي تودعني قائلة:
- شكرًا لك على الوردة الحمراء، حتى بائعة الورد يُسعدها إهدائها وردة.
- أتمنى أن أراكِ المرة القادمة وأنتِ بأفضل حال.
تاريخ ٢٤ يناير ٢٠٢٤