تَلفتتُ حولي .. تَأكدتُ أنها لا تراني .. قَفزتُ إلى المطبخ ، وكلمح البرق اختطفتها من الطبق، ودسستها بجيبِ سروالي ثم تَسللتُ خارجة، انتابني الفزع عندما وجدتها تقف أمامي، فأمسكتُ بطرف سترتي أجذبها للأسفل لتغطية ذلك التكور الظاهر في جيبي، كانت تقف في مواجهتي مرسلة يدها أمام وجهي تُمسك بين أصابعها بجنيه ثم أشارت به ناحية الباب :
- انزلي وأحضري كيس ملح ..
إنها عادتها كل يوم في مثل هذا الوقت، ترسلني لشراء أي شيء ..
أنزلت رأسي في حزن وبدموع تملأ عينيّ رددت :
= كنت أعرف ...
التقطت من يدها الجنيه، وذهبت لأحضر لها ما طلبت، خرجت من البيت وأغلقت الباب خلفي، كنت ما زلت أقف عند العتبة عندما سمعتها تنادي على أخَويّ ليستعدا لتناول الغداء، سالت دموعي على خدي، وأنا أردد في نفسي:
= لماذا ذهبتِ عند ربنا يا جدتي وتركتِني لزوجة أبي؟.. هي لا تحبني.
بينما كنت أقف أمام الباب، كانت تصلني أصوات ملاعقهم ترن داخل أطباق الغداء، الذي أُحْرَمُ يوميا من الانضمام لهم أثناء تناوله، ولا يتبقى لي بعدهم سوى بعض الفتات، كانت بطني تتلوى من الجوع، رفعت كفي أعتصر بها معدتي التي تؤلمني، بينما رفعت كفي الأخرى لأمسح الدموع التي سالت على خديّ، فانتبهت للجنيه الذي ما زال بين أصابعي، وتذكرت كيس الملح، أدرت ظهري للباب ونزلت السلم، فقد خشيت أن أتأخر فتعاقبني بالضرب كعادتها، قبل أن أخرج إلى الشارع انزويت خلف باب المدخل .. أخرجت من جيبي البيضة المسلوقة ودفعتها إلى فمي مرةً واحدة.