أشرقت شمس حياتها واختفت غيوم الشتاء في هذا اليوم القارس البرودة ، عندما رأت وجهه الذي طالما كان أنيسها في وحدتها، وكان طيف يزين أحلامها، رأت حلم حياتها يتجسد أمامها، كان شابا ثلاثينياً ، ذا جسم رياضي ، وجسد ممشوق تبدو عليه مظاهر العظمة والكبرياء
ويلوح من عنيه التي صبغن بلون المحيط وعمقه ، يلوح منهما الوقار والجدية ، بعكس ماكان يمازحها كثيرا في أحلامها فتارة يلقي عليها نكات مضحكة وتارة أخرى يتقمص دور المهرج ، الذي يُضحك قلبها قبل شفاها ، نظرت في المحيط الذي تحتويه عينيه ، وحاولت أن تتذكر متى رأت هذا الوجه الذي أصبح أيقونة السعادة في حياتها والذي بدل حزنها أفراح ، بلى تذكر وكيف تنسى أول لقاء بينهما ، في هذا اليوم كانت عائدة من زيارة والدها في المشفى الذي يتلقى بها العلاج ، عندما لمحت طيف من خلال دموعها المنهمرة كفيضان النيل في شهر بؤونة ، لم تعِ كيف ومتى ولماذا وكل علامات الاستفهام والتعجب تروادها عندما تسأل نفسها لم تعلقت به من أول نظرة ولم تكن تعرف أنها الأخيرة على أرض الواقع ، فهي لم تراه غير مرة واحدة من خلف دموعها ، ومن هذا اليوم أصبح هو أنيس وحدتها وفارس أحلامها في اليقظة ، وجليسها ومحدثها في النوم ، فكم أسرت له بمكنون نفسها وباحت له بفيض مشاعرها ، فكان هو ملجأها وملاذها إذ جارت عليها الأيام وقست عليها الأحداث ، لم ولن تنس ذلك اليوم الذي فقدت فيه والدها وفجعها فيه القدر ، وودعته إلى قبره كان هو رفيقها من القبر إلى البيت ومنذ ذلك الحين لم يتركها يوما واحدا ، لقد عاشت معه أجمل أيام حياتها فها هو يطلب يدها للزواج لتعيش معه وتنعم بالقرب منه ، ما أحلى همسات المساء التي يَسِرُ بها إليها ما أجمل العبارات المنتقاه من ألسنة جميع العشاق ، والتي يغزلها عقد حول جيدها، وسوار في معصميها ، فماذا تتمنى بعد ذلك ، ومالذي ينقصها من أمنيات وهي بين يديه ، وهي التي لم تذق حنان في حياتها كحنان عينيه ، وهي التي عشقت حياتها من أجله ، ولأن الأحلام قصيرة العمر أفاقت من حلمها الذي كانت تعيشه في عينيه وأفاقت من ذكرياتها التي تجترها وتعيش عليها ، نظرت له فلم يعرها انتباها، أشارت له بيدها ولكنه لم يلتفت لها ، عبر الشارع مسرعاً أرادت أن تلحق به ، ولكن أتت سيارة مسرعة صدمتها وألقت بها على الرصيف وكان أخر شيء رأته هو وجهه الذي التفت إليها وهي ملقاه على الرصيف ، وهنا تنفست الصعداء لأنه اخيرا أنتبه لها وبرغم ماتشعر به من آلام من شدة الصدمة إلا أنها شعرت بحالة من الراحة وسكينة النفس وهنا أغلقت عينيها فهي لا تريد شيئا أخر ...
عندما فتحت عينيها وجدت نفسها في غرفة باردة ، وهي نائمة على سرير تغطيه شراشف بيضاء وكل ماحولها يغطيه اللون الملائكي ، أدار أحدهم المفتاح في كالون باب الغرفة ، وفتح الباب شيئا فشيئا دخلت ممرضة وهي تبتسم ، وتقول حمد لله على سلامتك ، لقد كتب الله لك عمر جديد وصاحب الفضل هو الدكتور حازم ، أردفت قائلة مالذي حدث إنني لا أتذكر شيء ، قالت الممرضة لقد صدمتك سيارة مسرعة ، وسببت لك نزيف دماغي ، كانت حالتك سيئة جدا ، وقد مرت عليك خمسة أيام وأنت في العناية المركزة من بعد إجراء العملية ، والدكتور حازم لم يترك المستشفى
لحظة واحدة من وقت ان دخل بك إلى المشفى وهو يصرخ بصوته العالي ، افتحوا غرفة العمليات سريعا ، ولولا أنه أنقذك في الوقت المناسب ، لكنت في عداد الموتى الآن، التفتت إلى الممرضة وقالت بصوت يعتريه الوهن ، أريد أن أرى الدكتور حازم لأبلغه أجل تحياتي وشكري له ، اجابتها الممرضة ، لحظات ويوافيك الدكتور للاطمئنان عليك وبعد لحظات فُتح باب غرفتها ودخل منه .....
حلم حياتها، طيف أحلامها ، ألقى عليها التحية وقال مبتسما كيف حال مريضتنا العنيدة القوية ، تلعثمت قليلا ثم قالت له حضرتك الدكتور حازم أجاب نعم أنا والحمد لله كنت في نفس المكان وقت أن وقعت لك الحادثة وجئت بك على الفور ، وأراد الله أن يُكتب لك عمر أخر وحياة جديدة ، وهنا دخلت من الباب سيدة عشرينية وبيدها طفلين ، قالت يا حازم سألت عنك مكتبك أخبروني أنك في هذه الغرفة
هيا بنا لقد تأخرنا على موعد تدريب الأولاد في النادي ، وهنا أدركت أن حلمها تعيشه غيرها فوقعت مغشيا عليها .