شرع المسعفون في نقل الجسد والساق إلى سيارة الإسعاف، بينما كان بعضهم يجمع بقايا العسكري من بين الأحجار، بمهارةٍ شديدة، وبأدوات دقيقة.
أما أنا، فقد خرجت من حالة الشعور، وصرت في حالٍ من اللاوعي... لم أعد أدرك ما يدور حولي.
بعد أيّامٍ من الحادث، صرتُ كلما مررتُ فوق شريط السكة الحديد، ينتابني خوفٌ وهلعٌ شديد. وكلما تعثرتُ في فرع شجرة أو قطعة خشب، انتفض قلبي، وتعالت دقاته، وأصاب جسدي قشعريرة ورعشة؛ يُخيّل إليّ أنها ساق العسكري المبتورة.
حتى في الليل، صار الحادث لا يفارق منامي. أراه كل ليلة... الجسد المسجّى، والساق المبتورة تسرع إليه، تلتحم به، فيقف الجندي من جديد. ثم يأتي القطار، مسرعًا كالعاصفة، ويدهسه من جديد يتكرر المشهد طوال الليل، ككابوس لا نهاية له.
بدأت حركةٌ غريبة تدبّ في الجوار، لم نعهدها من قبل. رجال شرطة، حضرة العمدة، شيخ البلد... جميعهم يحومون حول بيتنا، وحول شريط السكة الحديد، علّهم يصلون إلى حلٍ للغز العسكري.
اعتدنا على طرقاتٍ متكررة على بابنا – ذلك الباب الذي لا يلجه الغرباء – لنقدّم العصائر، والمشروبات، وأحيانًا الغداء لهؤلاء الرجال.
لكن... لم يسفر بحثهم عن شيء. قُيّدت القضية ضد مجهول.
في تلك الأجواء، أعلنت جدتي قيودًا صارمة داخل البيت:
– لا يتأخر أحد بعد صلاة العشاء.
– الباب لا يُفتح إذا جنّ الليل، مهما كان الطارق.
كأنها تتحصن من شيء لا نعرفه... كأنها تتدرع لحدثٍ جلل، قادمٍ لا محالة.





































