في هذه الأيام المباركة والتي أسعَدَتنا فيها دولة تونس وأسعدتْ كل المصريين بتكريم أحد علماء مصر واختياره الشخصية التراثية لهذا العام وهو أ.د. أحمد فؤاد باشا أستاذ الفيزياء بعلوم القاهرة والباحث في تاريخ وفلسفة العلوم بنظرة إسلامية، فإننا نبارك تكريمه ونشاركه فرحته ونعلن اعتزازنا وفخرنا وسعادتنا به؛ لما له من أيادي عزيزة وبيضاء في خدمة الإسلام، وخدمة التراث العلمي التجريبي الإسلامي تحقيقا وتأليفا وشرحا وتدريسًا، ونَفض أغبرةِ الزمان والنسيان عن علماء وروَّاد النهضة العلمية في الحضارة الإسلامية، هذا بجانب مؤلفاته في تبسيط علم الفيزياء باللغة العربية، فله منَّا كل التهاني والتبريكات القلبية.
وإننا إذ نحتفي به ونبارك له، فإني أشكرهُ شكرًا خاصًا نابعًا من أعماق قلبي ووجداني، وأعترفُ له بالفضل الأول بعد الله في ولادة الرغبة والشغف لدي فيما يتعلق بجانب البحث عن علوم الحضارة الإسلامية.
فهو الذي كان سببًا في هيامي واهتمامي وتبني لمجال البحث عن علوم الحضارة الإسلامية وجهود علماءها في مجال الفيزياء والكيمياء والرياضيات والفلك والطب وسائر العلوم الحياتية.
من خلاله عَلمتُ أن علماء الإسلام أمثال: ابن سينا والرازي وابن حيان وابن النفيس وابن الهيثم والكندي والفارابي والمجريطي . . . ومئات غيرهم كانوا أساس كل العلوم الفيزيائية والكيميائية والطبية والفلكية والرياضياتية التي يُصدِّرُها لنا الغرب اليوم وكأنها من بَنان أفكارهم ونتائج جهودهم وسر نبوغهم !!.
والحق الذي ظهر لي - من خلال أ.د. أحمد فؤاد باشا - أنَّ ذلك كذب واضح وتدليس فاضح، فالأساس كان عند حضارة المصريين ثم التأسيس كان عند حضارة المسلمين، أمَّا ما قام به الغرب فما هو إلا إعادة صياغة وتلميع وجَني لثمار هذه الجهود الإسلامية.
من هنا، كانت نقطة التحوُّل التي أخذتْ - وما زالت - بيدي لعالم القراءة والبحث عن جهود وإسهامات علماء المسلمين الأوائل لمدة تزيد على عشرة قرون متتالية - لم يكن يضاهيهم فيها أحد - في مجالات العلوم الطبيعية وخاصة الكيمياء التي تخصصتُ فيها.
وكانت النتيجة لهذه القراءات والبحث الذي توجهت له بفضل الدكتور أحمد فؤاد باشا؛ كتاب (شواهد غربية على تفوق حضارتنا الإسلامية) وكتاب (رحلة الكيمياء في الحضارة الإسلامية) الذي أكرمني الله بإعدادهما وتقديمها لشباب المسلمين بصورة مناسبة وإسلوب حواري جديد.
وعلى ذكر هذا الكتاب الأخير وذكر الدكتور أحمد فؤاد فإنني أذكرُ حين انتهيت من إعداد هذا الكتاب في العام الماضي تواصلت مع سيادته (على الواتس)، وبعد أن عَرَّفتهُ بنفسي وبالمسار الذي سلكتهُ في كلية العلوم واهتماماتي وطموحاتي العلمية وما قمتُ بنشره من مقالات ومؤلفات؛ رَجوتُ منه أن يراجع لي كتاب (الكيمياء في الحضارة الإسلامية)، أو يكتب له مقدمة على الأقل، فردَّ عليَّ بكل تواضع يتسم به العلماء وبكُل حُبٍّ يتسم به الأب الحنون، ورحَّب بي، وقال لي بالحرف الواحد: (عزيزي محمد، أسعدتني رسالتك كثيرًا، وزاد اعجابي بتفوقك العلمي، وما أضفيته عليه من ثقافة علمية إسلامية، أكتبُ عنها منذ ثمانيات القرن الماضي، ولسوف تتضاعف سعادتي عندما أراك تواصل العطاء المتميز إن شاء الله).
ثم أشاد بفكرة الكتاب أيما إشادة، وازدادت سعادته أكثر حين أخبرتهُ بحُبي له ومتابعتي الجيدة لكتاباته، وأنه كان الدافع والسبب وراء إعداد هذا الكتاب.
لكنه - للأسف - اعتذر لي عن مراجعة الكتاب؛ بسبب ظروفه الصحية، شفاه الله.
وحين رأى أنني حزنتُ لهذا التأسف والاعتذار؛ جَـبَرَ خاطري بكلمات التشجيع والدفع.
ولما طلبتُ منه النصيحة قال لي: (أنصحك ألا تنتظر أحدًا يُقدِّمُك؛ فأنتَ لك تاريخ مُشرِّف أثمر ثلاثة كتب، وها أنت تضيف إليها رابعا وخامسا . . . اصنع تاريخك بنفسك يا بني، فأنت الآن أكبر من أن يقدمك أحد).
ويعلم الله كما أسعدتني هذه المحادثة، التي ما زلتُ أحتفظ بها، وأنظرُ فيها كلما اقترب مني اليأس أو الخمول، وكانت وما زالت هذه الكلمات بالنسبة لي قوة الدفع التي تحركني، والبوصلة التي توجِّهني في هذا المسار الذي ابتدأته، سائلا الله المعونة والتوفيق والنفع والقبول.
فمبارك لك أستاذي الدكتور أحمد فؤاد باشا هذا التكريم الذي صادف أهله، وأنت أهل لكل تكريم، ونسأل الله أن يكرمك بالصحة والعافية.