في هذه الآيام المباركة، ونحن نعيش بداية فصل الشتاء وموسم الأمطار، حَريٌّ بنا أن نحمد الله ونشكره على هذه النعمة الكبرى التي يَمُنُّ الله علينا بها، وهي سقوط الأمطار!!
وهل الأمطار نعمة؟ بلا شك، ولا يُدرك ذلك إلا مَن يعيش في مناطق تَندُرُ بها سقوط الأمطار، ولولا أنَّ الأمطار نعمة لَمَا شرع الإسلامُ صلاة الاستسقاء، بل العجيب أن صلاة الاستسقاء موجودة في كل الشرائع السابقة وإن كانت بطرق مختلفة!!.
ومَن أراد أن يعرف أهمية هذا المطر، فليقرأ في كتاب الله، ففيه الهدى والنور، وَمَنۡ أَصۡدَقُ مِنَ ٱللَّهِ حَدِیثࣰا، وَمَنۡ أَصۡدَقُ مِنَ ٱللَّهِ قِیلࣰا.
ولكن قبل أن نستقرأ القرآن لنقفَ على أهمية الأمطار، يجب علينا أن نشير إلى فرق لفظي، لا يُستعمل إلا في القرآن فقط، وهو أن القرآن أطلق على الماء النازل من السماء عدة أوصاف، فسماه مرة «الغيث» وأخرى «الماء» وتارة «المطر»، وأوصاف أخرى: كالودق والوابل والطل.
والعجيب أن القرآن خصص استعمال لفظ «المطر» للعذاب والهلاك، في حوالي تسع آيات، كما في قوله تعالى ﴿وَأَمۡطَرۡنَا عَلَیۡهِم مَّطَرࣰاۖ فَٱنظُرۡ كَیۡفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلۡمُجۡرِمِینَ﴾ [الأعراف 84] وقوله: ﴿وَأَمۡطَرۡنَا عَلَیۡهِم مَّطَرࣰا فَسَاۤءَ مَطَرُ ٱلۡمُنذَرِینَ﴾ [النمل ٥٨]
ولكنه أيضًا استعمل لفظ المطر في آية واحدة لعموم الماء النازل من السماء، فقال تعالى: ﴿وَلَا جُنَاحَ عَلَیۡكُمۡ إِن كَانَ بِكُمۡ أَذࣰى مِّن مَّطَرٍ أَوۡ كُنتُم مَّرۡضَىٰۤ أَن تَضَعُوۤا۟ أَسۡلِحَتَكُمۡۖ وَخُذُوا۟ حِذۡرَكُمۡ﴾ [النساء 102]
وفي الحقيقة هذا الاستعمال خاص بالقرآن فقط، لكن في غير القرآن يجوز إطلاق لفظ المطر على ماء السماء عمومًا، والأدلة على ذلك كثيرة يمكن الرجوع إليها.
أما عن الألفاظ الأخرى «الماء والغيث والودق والطل والوابل» فقد غَلَّب القرآنُ استعمالهم في الخير والنفع والبركة والإنبات.
وأما عن ثمرات وفوائد الماء أو الأمطار (وهي التسمية الشائعة) في القرآن الكريم فهي كثيرة، منها:
1- في كتاب الله، وصف الله ماء السماء «بالحياة»، قال تعالى: ﴿وَٱللَّهُ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ مَاۤءࣰ فَأَحۡیَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَاۤۚ﴾ [النحل 65]، وقال تعالى: ﴿وَمِنۡ ءَایَـٰتِهِۦۤ أَنَّكَ تَرَى ٱلۡأَرۡضَ خَـٰشِعَةࣰ فَإِذَاۤ أَنزَلۡنَا عَلَیۡهَا ٱلۡمَاۤءَ ٱهۡتَزَّتۡ وَرَبَتۡۚ إِنَّ ٱلَّذِیۤ أَحۡیَاهَا لَمُحۡیِ ٱلۡمَوۡتَىٰۤۚ إِنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرٌ﴾ [فصلت 39]، وقال تعالى: ﴿وَمَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ مِن رِّزۡقࣲ فَأَحۡیَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَا﴾ [الجاثية 5]
ويُراد بالحياة هنا إخراج النبات من الأرض، كما في قوله تعالى: ﴿وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ مَاۤءࣰ فَأَخۡرَجَ بِهِۦ مِنَ ٱلثَّمَرَ ٰتِ رِزۡقࣰا لَّكُمۡ﴾ [البقرة 22]
لكني أَستشفُّ معنىً آخر من معاني الحياة وهو معنى العموم والشمول، وخاصة أن القرآن أكَّد في آية أخرى على أن الماء هو أساس الحياة لكل شيء في الوجود، حيث قال تعالى: ﴿وَجَعَلۡنَا مِنَ ٱلۡمَاۤءِ كُلَّ شَیۡءٍ حَیٍّۚ﴾ [الأنبياء 30]
2- وصف الله ماء السماء الهابط «بالبركة»، قال تعالى:﴿وَنَزَّلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ مَاۤءࣰ مُّبَـٰرَكࣰا﴾ [ق 9]
3- وصفه الله «بالرحمة»، قال تعالى: ﴿وَهُوَ ٱلَّذِی یُنَزِّلُ ٱلۡغَیۡثَ مِنۢ بَعۡدِ مَا قَنَطُوا۟ وَیَنشُرُ رَحۡمَتَهُۥۚ وَهُوَ ٱلۡوَلِیُّ ٱلۡحَمِیدُ﴾ [الشورى 28]
4- وصفه الله «بالطاهر المُطهِّر»، قال تعالى ﴿وَیُنَزِّلُ عَلَیۡكُم مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ مَاۤءࣰ لِّیُطَهِّرَكُم بِهِ﴾ [الأنفال 11]، وقال تعالى: ﴿وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ مَاۤءࣰ طَهُورࣰا﴾ [الفرقان 48]
والطهارة هنا عامة، تشمل طهارة الجو، وطهارة التربة، وطهارة أوراق النبات والشجر من الأتربه،......طهارة لكل شيء.
5- وصفه الله «بالرزق»، قال تعالى: ﴿وَیُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ رِزۡقࣰا﴾ [غافر 13] وهل المطر إلا رزق للإنسان والنبات والحيوان؟!!.
6- وصفه الله «بالبشارة»، قال تعالى: ﴿ٱللَّهُ ٱلَّذِی یُرۡسِلُ ٱلرِّیَـٰحَ فَتُثِیرُ سَحَابࣰا فَیَبۡسُطُهُۥ فِی ٱلسَّمَاۤءِ كَیۡفَ یَشَاۤءُ وَیَجۡعَلُهُۥ كِسَفࣰا فَتَرَى ٱلۡوَدۡقَ یَخۡرُجُ مِنۡ خِلَـٰلِهِۦۖ فَإِذَاۤ أَصَابَ بِهِۦ مَن یَشَاۤءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۤ إِذَا هُمۡ یَسۡتَبۡشِرُونَ﴾ [الروم 48]
7- من ثمرات المطر الكبرى هو ملئ الآبار والعيون والأنهار كي يشرب منها الناس والدواب، قال تعالى: ﴿فَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ مَاۤءࣰ فَأَسۡقَیۡنَـٰكُمُوهُ﴾ [الحجر 22]، وقال تعالى: ﴿أَفَرَءَیۡتُمُ ٱلۡمَاۤءَ ٱلَّذِی تَشۡرَبُونَ ۞ ءَأَنتُمۡ أَنزَلۡتُمُوهُ مِنَ ٱلۡمُزۡنِ أَمۡ نَحۡنُ ٱلۡمُنزِلُونَ﴾ [الواقعة 68-69]، وقال تعالى: ﴿هُوَ ٱلَّذِیۤ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ مَاۤءࣰۖ لَّكُم مِّنۡهُ شَرَابࣱ وَمِنۡهُ شَجَرࣱ فِیهِ تُسِیمُونَ﴾ [النحل 10]
8- وكذلك من فوائد نزول المطر، أنه وقت لإجابة الدعاء، كما في حديث سيدنا رسول ﷺ.
هذا والله أعلم.