مما يلفت الأنظار ويُحرِّك القلوب عند تلاوة آيات القرآن الكريم هو كثرة ورود التسابيح لله سبحانه وتعالى، سواء على ألسنة الملائكة أو على ألسنة الأنبياء أو في مَعرض الخبر أو حتى في مقام الأمر والحث والترغيب في تسبيح الله سبحانه وتعالى.
وذلك أمر يتضح لكل قارئ للقرآن بسهولة ويسر. والله تبارك وتعالى أهلٌ للتسبيح والحمد والثناء، فسبحانه وتعالى مُنزَّهٌ عن كل نقصٍ وعجزٍ لا يليق بجلاله المقدس الكريم.
لكن الأمر الأكثر إعجازًا وإجلالا أنَّ قارئ القرآن يلاحظ ارتباط التسابيح وإضافته لعوالم الجمادات والكائنات غير العاقلة.!
ففي كتاب الله سبحانه وتعالى جاءت الإشارة الإلهية الصريحة بأن (الجبال) تسبح الله سبحانه وتعالى، قال جل ثناءه: ﴿وَسَخَّرۡنَا مَعَ دَاوُۥدَ ٱلۡجِبَالَ یُسَبِّحۡنَ وَٱلطَّیۡرَۚ وَكُنَّا فَـٰعِلِینَ﴾ [الأنبياء ٧٩]
وقال جلَّ وعزَّ: ﴿إِنَّا سَخَّرۡنَا ٱلۡجِبَالَ مَعَهُۥ یُسَبِّحۡنَ بِٱلۡعَشِیِّ وَٱلۡإِشۡرَاقِ﴾ [ص ١٨]
وفي القرآن أيضًا أخبرنا الحق سبحانه بأنَّ الظواهر الكونية مثل (الرعد) تُسبح ربها، فقال تعالى: ﴿وَیُسَبِّحُ ٱلرَّعۡدُ بِحَمۡدِهِۦ وَٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ مِنۡ خِیفَتِهِۦ ﴾ [الرعد ١٣]
وكذلك أخبرنا الله بتسبيح (الطيور) وهو اسم جنس جامع لكل ما يطير في الجو من الكائنات الحية، فقال تعالى: ﴿أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ یُسَبِّحُ لَهُۥ مَن فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱلطَّیۡرُ صَـٰۤفَّـٰتࣲۖ كُلࣱّ قَدۡ عَلِمَ صَلَاتَهُۥ وَتَسۡبِیحَهُۥۗ وَٱللَّهُ عَلِیمُۢ بِمَا یَفۡعَلُونَ﴾ [النور ٤١]
بل جاءت بعض الآيات القرآنية الجامعة لتوسِّع الأمر وتُضيف له شمولية وسعة فقال تعالى: ﴿یُسَبِّحُ لَهُۥ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ﴾ [الحشر ٢٤]
وقال تعالى: ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَمَا فِی ٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ﴾ [الصف ١]
وقال تعالى: ﴿یُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَمَا فِی ٱلۡأَرۡضِۖ لَهُ ٱلۡمُلۡكُ وَلَهُ ٱلۡحَمۡدُۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرٌ﴾ [التغابن ١]
وفي هذه الآيات - كما قلنا في موضع آخر - إشارة ربانية بليغة حكيمة إلى أنَّ كل المخلوقات في السماوات والأرض وما بينهما من جميع الأجناس والأصناف مما تراه العين ومما تعجز العين عن رؤيته في عالم المُلك والملكوت منذ أنْ خلق الله الكون وإلى نهاية الحياة الدنيا ... الجميع يُسبِّحُ الله رب العالمين.!
بل تأتي أية أخرى في غاية البلاغة ومنتهى الدقة والبيان لتأكد على هذا الإعجاز في عبارات واضحة وصريحة لا تحتمل فهمين ولا تقبل قولين، وهي قوله تعالى: ﴿تُسَبِّحُ لَهُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتُ ٱلسَّبۡعُ وَٱلۡأَرۡضُ وَمَن فِیهِنَّۚ وَإِن مِّن شَیۡءٍ إِلَّا یُسَبِّحُ بِحَمۡدِهِۦ وَلَـٰكِن لَّا تَفۡقَهُونَ تَسۡبِیحَهُمۡۚ إِنَّهُۥ كَانَ حَلِیمًا غَفُورࣰا﴾ [الإسراء ٤٤]
إذن نحن أمام حقيقة ثابته وآية مدهشة في منتهى الإعجاز والجلال وهي أن الكون كله يُسبح الله.!
أليست هذه رسالة من الكون إليك بأهمية التسبيح وعظمته؟!
أليست هذه آية من الآيات الكونية التي يستوجب على العقل الالتفات إليها، وعلى القلب التفاعل معها، وعلى السلوك الاقتداء بها.!
إنه نداءٌ صادق ودعاءٌ صادح من الكون لبني الإنسان: إياك أن تغفل عن تسبيح الله !
إنها دعوة الكتاب الكوني المنظور بأهمية التمسك بالكتاب القرآني المسطور وتحقيق ما جاء في قوله الحكيم: ﴿وَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ قَبۡلَ طُلُوعِ ٱلشَّمۡسِ وَقَبۡلَ غُرُوبِهَاۖ وَمِنۡ ءَانَاۤىِٕ ٱلَّیۡلِ فَسَبِّحۡ وَأَطۡرَافَ ٱلنَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرۡضَىٰ﴾ [طه ١٣٠]
فاللهم يا ربنا اجعلنا من عبادك المسبِّحين أناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا.