منذ عشرة أيام تحدثنا عن معركة القادسية (13 شعبان/ 15هـ)، وما حظيَ به المسلمون من انتصار على الإمبراطورية الساسانية الفارسية وفتح بلاد فارس.
والحقُّ أنَّ هذا الانتصار لم يكن من فراغ، ولم تكن هذه المعركة هي المحاولة الأولى لفتح بلاد فارس (العراق وإيران وما حولها)، بل سَبقتها عدة معارك، حظي بعضها بالانتصار، ولم يُكتب لبعضها التوفيق، ففي عام 13هـ - أي قبل القادسية بعامين - أرسل سيدنا عمر الفاروق عدة حملات لبلاد فارس بقيادة الصحابي الجليل «أبو عبيد بن مسعود الثقفي».
وكان «أبو عبيد بن مسعود الثقفي» قد وصل إلى العراق في 3 شعبان، وبدأ أولى حروبه المعروفة باسم "النمارق" في 8 شعبان، ثم "السقاطية" في 12 شعبان، ثم "باقسياثا" في 17 شعبان، ثم معركة الجسر في 23 شعبان، وخلال عشرين يومًا من وصول أبي عبيد بجيشه؛ انتصر المسلمون في ثلاث معارك (النمارق -السقاطية- باقسياثا)، وهُزموا في معركة واحدة، تسمى «معركة الجِسر»، وكانت خسارة وطامة كبرى وقعت للمسلمين؛ قضت علي نصف الجيش، وقُتل قائدهم وكانت خسارة بكل المقاييس!!.
فما قصة هذه المعركة؟ وكيف حَدثت؟ ولماذا باء المسلمون بالخسارة رغم تحقيق النصر قبلها في ثلاث معارك؟ وماذا نستفيد الآن من ذلك؟
إنها معركة (الجسر)، التي وقعت في مثل هذا اليوم (23 شعبان / 13هـ) بين المسلمين بقيادة الصحابي «أبو عبيد بن مسعود الثقفي» وبين جيش الفرس بقيادة «بهمن جاذويه» المعروف بذىدي الحاجب.
وسميت بذلك؛ لأن المسلمين أقاموا جسرًا حديديًا على «نهر الفرات» لعبور قواتهم، وكانت تبلغ تسعة آلاف جندي.
وتذكرُ كتب التاريخ أنَّ عبور أبي عبيد الجسر بجيشه كان خطأً كبيرًا وقع فيه، وطالما لم يستمع إلى نصيحة قادة جيشه ومنهم «المثنى بن حارثة»، الذين نبَّهوهُ إلى خطورة ذلك، وأنَّ موقف المسلمين غرب النهر أفضل وضع لهم، وليتركوا قوات الفرس تعبر إليهم، فإذا انتصروا كان عبور النهر إلى الشرق أمرًا سهلا، وإذا انهزموا كانت الصحراء وراءهم يتراجعون فيها، ليعيدوا ترتيب أوضاعهم.
لكن «أبا عبيد» - للأسف - لم يستجب لهم، والتقى بجيش الفرس الذي كان يتقدمه مجموعة كبيرة من الفيلة (جمع فيل) الضخمة التي أخافت خيول المسلمين وأربكت حركتهم؛ فاضطربت صفوف المسلمين، واستشهد عدد كبير منهم؛ ثم أمر أبو عبيد جيشه بقتل الفيلة أولاً ففعلوا ذلك.
وقد أُصيبَ أبو عبيد بضربة شديدة أدت إلى استشهاده، فتناوب عدد من الفرسان المسلمين اللواء فاستشهدوا، ثم تسلّم (المثنّى بن حارثة) اللواء، فأمر المسلمين بالتراجع حتى ينظموا صفوفهم، ولكن الجسر انكسر بمقدمتهم؛ فانحصر المسلمون فى أرض المعركة فاستشهد منهم عدد كبير قتلاً وغرقًا، في حين قُتل من جيش الفرس نحو ستة آلاف مقاتل.
والحق أن هذه المعركة رغم أنها آلت للهزيمة إلا أنها مليئة بالدروس والعبر، التي يجب على كل القادة والمسلمين أن يفهموها جيدا؛ حتى لا ينهزموا مرة أخرى، ولعل أبرز هذه الدروس ما يلي:
1- عدم التخلف عن أمر القائد الأعلى
فمما يُذكر في تاريخ هذه المعركة أنَّ سيدنا عمر بن الخطاب قد نَصحَ أبا عبيد (قائد الجيش) قبل أن يخرج إلى القتال قائلا: «لا تُفشِينَّ لك سرًا؛ لأنك مالكٌ أمرك حتى يخرج سِرُّك من بين جنبيك، ولا تحدِثَنَّ أمرًا حتى تستشير أصحاب رسول الله».
2- لكن الحقيقة أنَّ سيدنا أبا عبيد الثقفي لم يستجب لذلك؛ فأخذ يناقش أصحابه ويشاورهم أمام رسول الفرس؛ ففشت الأسرار الحربية إلى العدو فأعادوا خطتهم وأحكموها.
3- الأخذ بالشورى مهم وهو سبب كل نجاح، والاستغناء عن المشورة فشل مضمون.
ولو أنَّ سيدنا أبا عبيد الثقفي استجاب لأصحابه أهل الشورى بعدم عبور الجسر؛ لَما انهزموا وأُبيدوا جميعا.
وبعد، فإني أرجوك - أيها القارئ الكريم - أن تستقطع من وقتك ولو بضع دقائق، وادخل على (جوجل) وابحث عن أحداث هذه المعركة والحَدَث الجلل الخطير، واقرأ؛ وسجل ما في هذه المعركة من دروس؛ لعلك تحتاجها في هذه الأيام الصعبة، التي يمكرُ بك العدو من كل جانب والمسلمون - للأسف - كأهل الكهف أيقاظٌ نيامُ.