منذ فترة وعقلي مشغول بالتفكير والتسائل المستمر حول مجموعة من القضايا التي تخصُّ واقعنا المعاصر، سواء كانت قضايا اجتماعية أو نفسية، وكنتُ دائما في تسائل ونقاش حولها، فأسمع إجابة من هنا وتفسيرًا من هناك وتصوُّرًا من هذا وآخر من ذاك، لكن في الحقيقة لم تكن هذه الإجابات بالتي تَشفي العَليل وتروي الظمآن، إلى أن شاءت الإرادة الإلهية بتلك اللحظة التي انجلى فيها ما كنتُ أبحثُ عنه.
وهذه التساؤلات التي كانت تأخذ مساحة كبيرة جدًا من تفكيري، هي في الحقيقة عديدة ومتنوعة، لعل من أبرزها:
- ما السبب الذي يدفع الشباب إلى المخدرات.
- ما السر في تعلُّق الشباب بالواقع الافتراضي سواء كان في (وسائل التواصل - الألعاب الإلكترونية - الأفلام والمسلسلات - الجنس الإلكتروني).
- ما الهدف الأساس من تلك الحملات المأجورة التي تخرج في كل زمان للنيل من القرآن والسنة والتشكيك في ثوابت الدين.
- ما العامل الرئيس في ظهور بعض المذاهب المنحرفة كالباطنية والعلمانية والشيوعية والدواعش.
- ما الذي يجعل الغرب متحفزًا جدًا لمعاني التفلُّت والسفور والتحلُّل تحت شعار مزيف سموه «الحرية».
- ما الهدف الذي ترمي إليه الفلسفات الغربية في دعوتها لإسقاط كل ما هو سلطة (دين - قانون - أسرة).
- ما الذي يجعل الغرب يدفع مليارات الدولارات في استكشاف الفضاء والبحث عن حياة على كواكب أخرى؟
تسائلات كثيرة ومختلفة ومتباعدة، لكن في الحقيقة الإجابة عليها جميعا تكمن في كلمة واحدة، ألا وهي «الهـروب».
نعم، فما أقبلَ الإنسانُ على المخدرات والمسكرات عبر تاريخه؛ إلا هروبًا من واقعه المليئ بالمشاكل والضغوطات إلى عالم آخر خيالي منسوج من السعادة الجزئية والشعور باللذة.
وما تعلقنا بالسوشيال ميديا والدراما والإلكترونيات؛ إلا لأنها تنقلنا من واقعنا - الذي عجزنا عن مواجهته - إلى واقع افتراضي مصنوع بالسعادة المزيفة.
وما نشأت العلمانية والمذاهب الموبوءة، وما ارتفعت أصوات الطاعنين في ثوابت الدين؛ إلا لكي تتهرب من التكاليف الشرعية وتنسلخ من الواجبات الإلهية، لكنها تحاول فعل ذلك بصورة - تتوهم فيها - أنها مقنعة.
إنَّ السر الأعظم وراء حملات الترويج لحُرِّيات الغرب هو الهروب من التكاليف والواجبات والحساب والعقاب.
حتى تلك الرحلات التي تُنفـِق فيها أمريكا مليارات الدولارات في سبيل غزو الفضاء والبحث عن كوكب آخر تصلح عليه الحياة، ما كان ذلك إلا هروبًا من مواجهة تلك المشكلات الكثيرة التي يصرخ منها كوكب الأرض: (مشكلات التلوث والاحتباس الحراري والحروب والكروب والأمراض والصراعات...).
وإلا لاستطاعت تعمير الكوكب الأرضي بمواجهة تلك المشكلات.
وما دَفَـعَ اليائسين إلى الانتحار؛ إلا هروبًا من زَخَم المشاكل النفسية وضغوطات الحياة، التي عجز عن مواجتها والتخلص منها؛ معتقدًا في ذلك الخلاص وإنهاء المشكلة.
ولكن في الحقيقة لا فائدة من هذا الهروب؛ لأنَّ سُنة الله في الكون قَضَت بوجود الصراع بين الخير والشر منذ القديم، ثم أمر الخالق بني الإنسان أن يتقربوا من هذا الخير بكل وسيلة ليحظوْا بنعيمه، وأن يواجهوا هذا الشر بكل وسيلة حتى يسلموا من طغيانه، وهذا هو منهج السماء الذي تدعوا إليه الكتب وجميع الرسل.
لكنَّ الذي حدث أننا (استثقلنا) هذا المنهج، وأردنا التحرر منه، وفي نفس الوقت نحاول أن نطمئن قلوبنا ونُقنع أنفسنا بأننا لسنا مقصرين ولا عاجزين؛ فتوجهنا إلى إنكار وجوده من الأساس.!!
إنها حلول العَجَـزَة، ومنطق الضعفاء المتخاذلين، وتفكير الشياطين.
لا للهروب، لا للتحايل، لا للإنكار، لا للعجز، لا للتخاذل.
بل الحل هو التأكد أنه لا سبيل لتحقيق السعادة والاستقرار النفسي والعمراني إلا بتأدية الحقوق والواجبات ومواجهة الأزمات، والتحلي بالأمل الفسيح والعمل المُريح. . . لا سبيل إلا بالثبات والمواجهة وتحمل النتائج.
هذا هو الحل الوحيد، أما خلاف ذلك فهو فشل أكيد.