في هذا اليوم المبارك (18 ديسمبر) تحتفل الأمة العربية والإسلامية باليوم العالمي للغة العربية، وما أسعده من احتفال، وما أجلَّها من ذكرى؛ لأن احتفالنا باللغة العربية هو في الحقيقة احتفالٌ بالدين نفسه، واحتفالٌ بانتصارات العروبة، واحتفالٌ بالمجد الذي حققته اللغة على مدار قرون وقرون.
في هذا اليوم المشهود، كم سُتقام فيه الندوات واللقاءات والملتقيات والمؤتمرات؛ للحفاوة بلغتتا العربية المقدسة، في ربوع العالم العربي والإسلامي، وكلٌّ يتحدث عن عظمة اللغة ومآثرها وقداستها وعوامل ارتقاءها وسر خلودها والتحديات التي تواجهها....إلى آخر هذه الموضوعات التي ما أحوج شباب اليوم لمعرفتها.
وإنني في هذا المقال إذ أتحدث عن اللغة العربية، فإنه ليس بحديث عَالِمٍ جدير بالتحدُّث، ولكنه حديث إنسان عربي مسلم يريدُ أن يُشرِّف نفسه وقلمه بالحديث عن تلك اللغة الإلهية السماوية المقدسة؛ لعله أن يحظى ببركاتها وشرفها.
ولقد اخترتُ في هذه المقال موضوع مهم وعظيم، يكفينا أن نشير لرؤوس أقلامه ونقاط تمامه، لترامي أطرافه وسعة أسراره، وهو بعنوان «اللغة العربية مفتاح حضارة أوروبا».
نعم، لا تستغرب أخي القارئ، هي كانت كذلك، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
أرجوك أن تقرأ التاريخ وأن تنظر عَلامَ قامت حضارة أوروبا، ستجدها قامت على علوم المسلمين في قرطبة ومؤلفات علماء الحضارة الإسلامية في مصر وفي دمشق وبغداد والأندلس وشتى البلاد الإسلامية، أمثال: ابن سينا والفارابي وأبو الريحان البيروني وجابر بن حيان وأبو بكر الرازي والكندي والجزري والزهراوي وابن العوام الإشبيلي وابن يونس المصري والموصلي والهمداني و.....إلى آخر هؤلاء السادة، الذين كانت كتبهم هي المرجع الأول التي تعلَّم عليه الغرب، ونهلوا من مورده العَذب!!.
والعجيب أن معظمهم لم ينكر هذا، بل اعترف وأقرَّ وأنصف القول، ولقد عرضنا في المقال السابق مجموعة من مؤلفات الغربيين التي تشهد للحضارة العربية والإسلامية بالشموخ والمرجعية والموسوعية والمعرفية.
وإليك الآن بعض شهادات الغربيين حول عظمة اللغة العربية وأنها كانت المرجع الأساسي لأوروبا:
1- فها هو جورج سارتون يقول في كتابه «المدخل إلى تاريخ العلوم»: «لقد كُتبت أعظم المؤلفات قيمة وأكثرها أصالة وأغزرها مادة باللغة العربية خلال العصور الوسطى، وكانت اللغة العربية من منتصف القرن الثامن حتى نهاية القرن الحادي عشر الميلادي لغة العلم الارتقائية للجنس البشري، حتى أنه كان يستوجب على من أراد أن يلم بثقافة عصره وبأحدث صورها أن يتعلم اللغة العربية أولاً».
2- ويقول أيضًا: «عندما أمسى الغرب محتاجا إلى معرفة أعمق بحقل العلوم عامة لجأ إلى المصادر العربية، لا إلى المراجع الاغريقية كما يدعي الغربيون».
3- ويقول بير جشتريسر في كتابه «مدخل إلى اللغات السامية»: « إن اللغة العربية قد أدت مهمتها كاملة كأداة كافية للتعبير العلمي الدقيق، وليس هناك مجال لمن ادعى أنها عاجزة عن مواكبة عصر التقنية الآن».
4- ويقول ويل ديورانت في كتابه «قصة الحضارة»: «وجملة القول أن ابن سيناء أعظم من كتب في الطب في العصور الوسطى، وأن الرازي أعظم أطبائها، والبيروني أعظم الفلكيين فيها، والإدريسي أعظم الجغرافيين فيها، وابن الهيثم أعظم علمائها في البصريات، وجابر بن حيان أعظم الكيميائيين فيها، تلك أسماء ستة لا يعرف عنها العالم الغربي في الوقت الحاضر إلا القليل، وإن عدم معرفتنا إياها ليشهد بضيق نظرتنا وتقصيرنا في معرفة تاريخ العصور الوسطى....... إن الثقافة العربية نمت في علم الكيمياء بالطريقة التجريبية العلمية، وهي أهم أدوات العقل الحديث وأعظم مفاخره، ولما أعلن روجر بيكن هذه الطريقة إلى أوروبا بعد أن أعلنها جابر بن حيان بخمسمائة عام كان الذي هداه إليها هو النور الذي أضاء له السبيل من عرب الأندلس، وليس هذا الضياء نفسه إلا قبسا من نور المسلمين في الشرق».
5- ويقول جوستاف لوبون في كتابه «حضارة العرب»: «إن حضارة المسلمين قد أدخلت الأمم الأوروبية الوحشية في عالم الإنسانية، فلقد كان العرب أساتذتنا، وإنَّ جامعات الغرب لم تعرف موردًا علمياً سوى مؤلفات العرب، فهم الذين مدَّنوا أوروبا مادة وعقلاً وأخلاقاً، والتاريخ لا يعرف أمة أنتجت ما أنتجو».
هذه بعض شهادات الغربيين حول مكانة اللغة العربية ومرجعيتها وأنها لغة العلم الارتقائية وأنها مقتاح حضارة أوروبا والغرب.... وليس هذا فقط، بل إنني جمعت في كتابي (شواهد غربية على تفوق حضارتنا الإسلامية) عدد كبير من الشواهد، من الممكن الرجوع إليه لمن أراد الاستزادة.
وفي الختام نحمدُ الله ونشكرهُ أن شرَّف لساننا باللغة العربية وأسعدنا بالقرآن العربي وأكرمنا بالرسول العربي، ونسأله عز وجل أن يحفظها وأن يوفق كل القائمين على الارتقاء بها وأن يردَّ عنها سهام الغرب المعاصر، إنه على شيء قدير.