من القصص المشهورة جدًا لدى الأطفال والطلاب؛ قصة «تفاحة نيوتن»، وكيف ساقتهُ لاكتشاف الجاذبية الأرضية. ومعنى الجاذبية هي تلك القوة الخفية التي تشد وتجذب الأشياء لأسفل.
وأنا في هذه المقالة لست بصدد تحقيق هذه القصة هل هي صحيحه أم مدلسة، وهل فعلا نيوتن هو مكتشف الجاذبية حقا أم أنَّ هناك صفحات مخفية عمدًا عن الناس.
ولكني في هذا المقال أشير إلى حقيقة واقعية لا يمكن أن نتجاهلها؛ وهي أنَّ علماء المسلمين - الذين سبقوا نيوتن بقرون وقرون - قد تحدثوا كثيرًا عن الجاذبية بمعناها الواسع في مؤلفاتهم بوضوح وتفصيل شديد.
من ذلك:
1- ما قاله الحسن بن أحمد بن يعقوب الهمداني (ت: 945م) في كتابه «الجوهرتين العتيقتين المائعتين من الصفراء والبيضاء» في سياق حديثه عن الأرض ككرة (وهذا إنجاز آخر) وما يرتبط بها من مياه وهواء، حيث قال: «فمَن كان تحتها - أي تحت الأرض من الجهة الأخرى ككرة - فهو في الثابت في قامته كمن فوقها، ومسقطه وقدمه إلى سطحها الأسفل كمسقطه إلى سطحها الأعلى، وكثبات قدمه عليه، فهي بمنزلة حجر المغناطيس الذي تجذب قواه الحديد إلى كل جانب».
2- وكذلك تحدث ثابت بن قرَّه (ت: 976م) عن الجاذبية، وذكر «بأن المدرة تعود إلى أسفل، لأن بينها وبين كلية الأرض مشابهة فى كل الأعراض، أعني البرودة إلى أعظم منه والكثافة، والشيء ينجذب».
3- كذلك تحدث أبو جعفر عبد الرحمن الخازن (ت: 1155م) عن التسارع (أي: العجلة) في سقوط الأجسام نحو الأرض واحتوى كتابه «ميزان الحكمة» ما يدل على معرفته بالعلاقة الصحيحة بين السرعة التي يسقط بها الجسم نحو سطح الأرض والبعد الذي يقطعه والزمن الذي يستغرقه، وهي العلاقة التي تنص عليها المعادلات الرياضية المنسوبة لجاليليو في القرن السابع عشر الميلادي، ومن أقواله: «إن ذلك ناتج عن قوة تجذب هذه الأجسام باتجاه مركز الأرض».
4- وقد شرح محمد بن عمر الرازي (ت: 1210م) هذه العبارة فقال: «إننا إذا رمينا المدرة إلى فوق، فإنها ترجع إلى أسفل، فعلمنا أن فيها قوة تقتضي الحصول في السفل، حتى لما رميناها إلى فوق أعادتها تلك القوة إلى أسفل».
5- وأكَّد أبو الريحان البيروني (ت: 1048م) ما سبق إليه الهمداني من أن الأرض تجذب ما فوقها نحو مركزها حيث جاء في كتابه «القانون المسعودي» أن الأثقال تشد إلى أسفل.
6- وقد نجح هبة الله بن ملكا البغدادي (ت: 1165م) في تصحيح الخطأ الجسيم الذي وقع فيه "أرسطو" عندما قال بسقوط الأجسام الثقيلة أسرع من الأجسام الخفيفة، بل وسبق جاليليو في إثبات أن سرعة الجسم الساقط سقوطًا حرًا تحت تأثير الجاذبية الأرضية لا تتوقف إطلاقًا على كتلته، وذلك عندما تخلو الحركة من أي معوقات خارجية، وقد عبر عن هذه الحقيقة العلمية الهامة في كتابه «المعتبر في الحكمة» فقال:
«وأيضًا لو تحركت الأجسام في الخلاء لتساوت حركة الثقيل والخفيف والكبير والصغير والمخروط والمتحرك على رأسه الحاد والمخروط المتحرك على قاعدته الواسعة، في السرعة والبطء؛ لأنها إنما تختلف في الملاء بهذه الأشياء بسهولة خرقها لما تخرقه من المقاوم المخروق كالماء والهواء وغيرهما».
7- بل أضاف البغدادي حقائق جديدة أخرى عن ظاهرة الجاذبية من خلال دراسته لحركة المقذوفات، وذلك من حيث إن حركتها إلى أعلى عند القذف تعاكس فعل الجاذبية الأرضية، أو أن القوة التي قذف بها الجسم إلى أعلى تعمل في تضاد مع قوة الجاذبية الأرضية، فيقول:
«فكذلك الحجر المقذوف فيه ميل مقاوم للميل القاذف؛ إلا أنه مقهور بقوة القاذف؛ ولأن القوة القاسرة عرضية فيه، فهي تضعف لمقاومة هذه القوة والميل الطبيعي ولمقاومة المخروق، فيكون الميل القاسر في أوله على غاية القهر للميل الطبيعي، ولا يزال يضعف ويبطئ الحركة ضعفًا بعد ضعف وبطئًا بعد بطء حتى يعجز عن مقاومة الميل الطبيعي، فيغلب الميل الطبيعي فيحرك إلى جهته».
وهنا تجدر الإشارة إلى أن البغدادي لا يستخدم مفهوم (الميل) كقوة خفية أو “وحشية” طبيعية في اتجاه الحنين إلى حضن الأم: كوكب الأرض، مثلما قال "أرسطو"، ولكنه عنى به القوة المادية التي تتحكم علميًا في حرمة المقذوف صعودًا ضد الجاذبية وهبوطًا في اتجاهها، والسؤال الذي طرحه البغدادي فيما يتعلق بهذه القضية العلمية هو: هل يتوقف الحجر المقذوف عند أعلى نقطة يصل إليها حين يبدأ في الارتداد إلى سطح الأرض؟ ثم يجيب على ذلك بنفسه في وضوح ما نصه:
«من توهم أن بين حركة الحجر علوا المستكرهة بالتحليق وبين انحطاطه وقفة فقد أخطأ، وإنما تضعف القوة المستكرهة له وتقوى قوى ثقله، فتصغر الحركة، وتخفي حركته على الطرف، فيتوهم أنه ساكن».
وبعد، فإن هذه بعض النصوص التراثية التي تبرهن على أن نيوتن ليس المكتشف الأول لقوة الجاذبية، ولكنه تدليس الغرب الذي نال من كل شيء يمت للإسلام بصلة، ولكن أكثر الناس لا يفقهون ولا يعلمون ولا يشعرون.
وليست حجتي في ذلك هي تلك النصوص التي أشرتُ لها فقط، بل هناك الكثير والكثير لم أذكره، ومن أراد أن يستزيد فليرجع إلى كتابات الدكتور علي عبد الله الدفاع والدكتور أحمد فؤاد باشا وغيرهما ممن اهتموا بعلوم الحضارة الإسلامية تأليفا وتحقيقا وتدريسا.
نسأل الله أن يوقظنا من غفلتنا وأن يردنا إلى كتابنا وهويتنا وحضارتنا ردًا كريما، وهو على ما يشاء قدير.