إن الناظر إلى واقع الحياة ومسمياتها يجد أن «جُمانة» من الأسماء التي انتشرت أخيرًا بين الناس، ويعتقد البعض أنه من الأسماء الجديدة والوافدة.
لكن في الحقيقة مَن يستقرأ التاريخ العربي يجد أنَّ هناك الكثير ممن تسمى بهذا الاسم قبل ذلك بقرون كبيرة، من ذلك:
1- جُمَانَة بنت أبي طالب، أخت الإمام علي بن أبي طالب، وابنة عم النبي محمد ﷺ، وعمّة الحسن والحسين، وعدَّها العلماء من الصحابيات الجليلات.
وقد قسَّم لها رسول الله صلّى الله عليه وسلم ثلاثين وسقًا من خيبر (أي: ستون صاعا).
2- جُمانة بنت قيس بن زهير، الشاعرة الحكيمة، التي اشتهرت بالحكمة والرأي الثاقب، والبصيرة النافذة، ولقد حفظ لها التاريخ موقفها وحسن تصرفها في إصلاح ذات البين، وموقفها النبيل في حقن دماء قبيلتها، في القصة الشهيرة التي ملخصها:
كان قيس بن زهير العبسي سيد غطفان، ورأس بني عبس وصاحب الفرسين المشهورين داحس والغبراء؛ كان قد اشترى من مكة دروعًا حسنة تُسمَّى (ذات الفضول)، وورد بها إلى قومه، فرآها عمه الربيع بن زياد، وكان سيد بني عبس، فأخذها منه غصبًا، فقالت الجمانة بنت قيس لأبيها: (دعني أناظر جدي، فإن صلح الأمر بينكما، وإلا كنت من وراء رأيك)؛ فأذن لها، فأتت الربيع فقالت: «إذا كان قيس أبي، فإنك يا ربيع جدي، وما يجب له من حق الأبوة عليَّ إلا كالذي يجب عليك من حق البنوة لي، والرأي الصحيح تبعثه العناية، وتجلي عن محضه النصيحة، إنك قد ظلمت قيسا بأخذ درعه، وأجد مكافأته إياك سوء عزمه، والمعارض منتصر، والبادي أظلم، وليس قيس ممن يخوف بالوعيد، ولا يردعه التهديد، فلا تركنن إلى منابذته؛ فالحزم في متاركته، والحرب متلفة للعباد، ذهابة بالطارف والتلاد والسلم أرخى للبال، وأبقى لأنفس الرجال، وبحق أقول: لقد صعدت بحكم، وما يدفع قولي إلا غير ذي فهم»، ثم أنشأت تقول:
أبي لا يرى أن يترك الدهر درعه ... وجدي يرى أن يأخذ الدرع من أبي
فرأي أبي رأي البخيل بماله ... وشيمة جدي شيمة الخائف الأبي.
3- جُمَانة بنت المُسَيَّب بن نَجَبَة بن ربيعة بن عوف بن رِباح الفزاري. وهي أم عون بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب المعروف بعون الأصغر، وهي من رواه الأحاديث.
4- جُمَانَةَ الْبَاهِلِيُّ، صحابي جليل، ووالد الشاعر عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جُمَانَةَ الْبَاهِلِيُّ، وبذلك يتبين لنا أن هذا الاسم قد تسمى به الذكور أيضًا وليس الإناث فقط.
هذه بعض الأمثلة وغيرهم كثير، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
ومن الجدير بالذكر أن كلمة «جُمانة» كلمة فارسية مُعرَّبة معناها اللؤلؤة، وهي كلمة حسنة يجوز التسمي بها وليس فيها محذور شرعي كما يتصور بعض المتعصبين.
ولقد ورد هذا المعنى في كثير من أشعار العرب، مثل:
قول امرؤ القيس:
إذا مَا اسْتَحَمَّتْ كَانَ فَضْلُ حَميمِهَا ... علَى مَتنَتيْهَا كَالجُمَانِ لدى الجَالي
وقوله أيضا:
فَأَسبَلَ دَمعي كَفَضِّ الجُمانِ ... أَوِ الدُرِّ رَقراقه المُنحَدِر
وقول حاتم الطائي:
وعَلقنَ في أعناقهم لناظر ... جُمانا وياقوتًا ودُرًّا مؤلَّفا
وقول أبو الطيب المتنبي:
غدونا ننفِّض الأغصانَ منها ... على أعرافها مثل الجُمان
وقول أبو بكر الخوارزمي:
شربناها وذيل الليل مغفى ... أكب وخط جفنيه المنام
كمثل جُمانة بيضاء شقت ... فلاءم بين نصفيها النظام
وقول آخر:
وتركنا بالعوينة من حسين ... نساء الحي يلقطن الجمانا
وقول عدى بن يزيد:
ألبس الجيد وشاحا محكما ... وجمانا زانه نظم عذارى.
هذا وبالله التوفيق وصلى الله وسلم على سيدنا محمد.