إنني كأحد خريجي كلية العلوم أرى أنَّ دراسة العلوم طريقٌ ممهدٌ ميسورٌ للوصول إلى الله على بصيرة وبرهان ومشاهدة.
فإذا كان الدعاةُ يُرشدون الناس إلى معرفة الله سبحانه وتعالى بما أنزله الله من نصوصٍ مقدسة على ألسنة الرُّسل؛
فإن (علوم الطبيعية والأحياء) تأخذ بناصية الإنسان وقلبه وعقله وفكره إلى رب العالمين على بصيرة ومشاهدة عملية واقعية محسوسة لما أودعه الله في الكون من ظواهر ومشاهد تصدح بأعلى صوتها لا إله إلا الله.!
وهذا ما ينبغي على كل مدرس مادة (العلوم - بفروعها) أن ينتبه لهذا الأمر جيدًا، ويؤكد عليه أثناء عرض المادة العلمية للطلاب بأن يربطها بالإيمان، ويُبرز للطلاب قدرة الله وتدبيره فيها؛ فإن ذلك يزرع الخشية وشعور الأعماق بجلال الله في نفوس الطلاب.
وهذا المعنى تعرَّض له القرآن الكريم في سياق الآيات الكريمات:
﴿أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ مَاۤءࣰ فَأَخۡرَجۡنَا بِهِۦ ثَمَرَ ٰتࣲ مُّخۡتَلِفًا أَلۡوَ ٰنُهَاۚ وَمِنَ ٱلۡجِبَالِ جُدَدُۢ بِیضࣱ وَحُمۡرࣱ مُّخۡتَلِفٌ أَلۡوَ ٰنُهَا وَغَرَابِیبُ سُودࣱ ۞ وَمِنَ ٱلنَّاسِ وَٱلدَّوَاۤبِّ وَٱلۡأَنۡعَـٰمِ مُخۡتَلِفٌ أَلۡوَ ٰنُهُۥ كَذَ ٰلِكَۗ إِنَّمَا یَخۡشَى ٱللَّهَ مِنۡ عِبَادِهِ ٱلۡعُلَمَـٰۤؤُا۟ۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِیزٌ غَفُورٌ﴾ [فاطر ٢٧- ٢٨]
وهنا نلاحظ أن قوله تعالى (إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ) جاءت بعد آيات كونية تتحدث عن علوم النبات والجبال والجيولوجيا وعلوم الحيوان.!
وكأن القرآن يبعث لنا رسالة مهمة جدًا وهي أنَّ (الخشية من الله تتحقق بقوة حين تنظر وتتأمل في علوم الكون).
أما علوم القرآن والشريعة المسطورة فلا شك أنَّ لها تأثيرها أيضًا في الدعوة إلى الله، لكن ليست بالفعالية التي تحققها علوم الكون المنظورة.
لذلك جاء بعد هذه الآيات مباشرة مقام علوم القرآن والدين، فقال تعالى: ﴿إِنَّ ٱلَّذِینَ یَتۡلُونَ كِتَـٰبَ ٱللَّهِ﴾ [فاطر ٢٩]
وهكذا نرى أن قوله تعالى (إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ) جاء بين علوم الكون المنظور وبين علوم الكتاب المسطور، مع أسبقية الترتيب لعلوم الكون.!!
وذلك لأنَّ عادة النفس البشرية أنَّها تتطلع إلى مشاهدة البرهان العملي أكثر من السماع!
لذلك طلب سيدنا إبراهيم من ربة مشاهدة عملية لإحياء الموتى، ولما سأله الله ﴿أَوَلَمۡ تُؤۡمِنۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَـٰكِن لِّیَطۡمَىِٕنَّ قَلۡبِی﴾ [البقرة ٢٦٠]
وفي ذلك كتب الأستاذ كريسى موريسون - الرئيس السابق لأكاديمية العلوم بنيويورك - كتابه «العلم يدعو للإيمان» بالإنجليزية وتمت ترجمته بعد ذلك.
وألَّف الطبيب خالص جلبي كنجو كتابه الماتع «الطب محراب الإيمان».
كل ذلك يدعونا إلى الاهتمام بدراسة العلوم الطبيعية والتجريبية وعلوم الأحياء؛ فإن ذلك طريق يوصل بصاحبه إلى الله على بصيرة وطمأنينة.
والله نسأل أن يأخذ بأيدينا ونواصينا وقلوبنا وعقولنا إليه أخذ الكرام عليه آمين.