هذا قلبي… حينما توقف، لم يتوقف ضخ الدماء فقط لبقية أعضاء جسدي، عالمي كلّه هو من توقف، نبضي ودمي، أحلامي وذكرياتي. لحظة أن توقّف أو كاد أن يتوقف، توقفت معه الدنيا بأسرها، وتداعَت الصور في رأسي كأن العمر كله يُسحب من بين يديّ دفعة واحدة، فلا يبقى لي سوى ظلام حالك السواد.
أي سرّ هذا الذي يختزنه القلب؟ أي سرّ سماويٍّ أودعه الله في قلب الإنسان ليكون ذاكرته وملاذه؟ كيف لعضلة لا يتجاوز حجمها قبضة اليد أن تختصر الحياة بأكملها، وأن تجمع في دقاتها ضحكاتنا وبكاءاتنا، لقاءاتنا وفراقاتنا، بداياتنا ونهاياتنا؟
كل شئ يتعلق بالقلب، كل أسرار الحياة مبتدؤها ومنتهاها القلب.
عندما توقف قلبي وعاد من سباته أصبحت أجيد فهمه أكثر، أصبحت أكثر إنصاتا له، متى تهدأ خفقاته، متى تزداد دقاته وتعلو متى يسكنهُ الحزن ضيفًا ثقيلا ومتى يحل الفرح رفيقًا، أصبحت أشعر بتناغم غريب فيما بيننا فعندما تدق همساته داخلي، تُذكّرني أنني ما زلت حيًّا؟
إن القلوب هي أكثر ما يتأثر بمشاعرنا، تارة تشتعل بحب عظيم، وتارة تنطفئ تحت وطأة الخيبات، تارة تخفق بجنون حين نلتقي من نحب، وتارة تتثاقل حين يخذلنا أقرب الناس. ومع ذلك… تبقى قلوبنا أغرب ما فينا وأصدق ما فينا؛ فهي سرّ الإنسان وذاكرته الحيّة النابضة بالحياة.
ما أجمل تلك القلوب التي تُبقي بقايا أمل رغم كل الانكسارات، وما أصدقها حين تفضحنا بخفقة صغيرة في لحظة صدق أو دمعة عابرة يعتصرها القلب قبل أن تذرفهُا العين. إن قلوبنا هي المرآة التي لا تكذب، والرفيق الذي لا يرحل، والسرّ الذي لا يُفشى.
القلب ليس مجرد عضلة تضخّ الدماء في روتين يومي إنما هو ذاكرة الإنسان الحقيقية، مخزن أسراره، وخلاصة حياته النابضة بالحب، بالفرح، بالحزن، وبكل ما يجعلنا بشرًا.