على مقعدي المفضّل، بيدي هاتفي الحديث، أتنقّل بين الصور التي يغمرها الغبار لا اللهب، بين وجوهٍ لم تعد تبكي لأنها تجاوزت البكاء، وبين حجارةٍ صارت تحمل أسماء أصحابها بدل الأرقام.
انتهت الحرب... هكذا يقولون.
لكنّي حين أنظر إلى غzة، لا أرى سوى حياةٍ تبحث عن معنى وسط الموت، وأناسٍ يعودون إلى بيوتهم التي لم تعد بيوتًا.
عادوا يحملون مفاتيح لا تفتح شيئًا، وأحلامًا عالقة في جدران لم تعد قائمة.
يبحثون بين الركام عن بقايا وجوههم، عن جثث أبنائهم، عن كتابٍ مدرسيٍّ نجا من الحريق، عن كوبٍ ما زال يحتفظ ببصمة أمٍّ رحلت.
لا ماء، لا دواء، لا كهرباء... فقط أنين الأرض وهي تحاول أن تنهض من تحت الركام.
تُقام الصلاة على أطلال البيوت، وتُوزَّع المساعدات على من فقدوا القدرة على الوجع، فلا طعام يكفي، ولا مأوى يقي، ولا مستشفى قادر على احتضان الألم.
ومع ذلك... تراهم يبتسمون حين يجدون شيئًا صغيرًا من بقايا حياتهم القديمة — بابًا لم يحترق، أو صورةً خرجت من بين الردم كما تخرج الذاكرة من الرماد.
يقولون إن الحرب انتهت، لكن الحرب الحقيقية بدأت الآن:
حرب الجوع، وحرب إعادة البناء، وحرب البقاء على قيد الكرامة في عالمٍ لا يمنح سوى الوعود.
غزة لا تحتاج اليوم إلى عبارات الشجب والاستنكار، بل إلى من يمدّ يده ليرفع عنها الحطام، لا من يرفع صوته مجلجلًا في الفضائيات.
وفي أقصى الجنوب، هناك الفاشر السودانية، المدينة التي لا تُذكر في نشرات الأخبار إلا عرضًا، بينما تعيش موتها اليوميّ بصمتٍ فاضح.
لم تُطلق صفارات الإنذار هناك، لأن القصف ليس جوًّا بل على الأرض، بأيدي بشرٍ يشبهون ضحاياهم.
قوات الدعم السريع ترتكب مجازر لا تحتاج إلى قنابل لتُحدث ضجيجها، يكفيها الجوع والاغتصاب والحرق لتمحو مدنًا عن الخريطة.
أهل الفاشر يهربون من الموت إلى الموت، لا يجدون ماءً ولا دواءً ولا منبرًا يتحدث عنهم.
غزة تنهض من الرماد، والفاشر تغرق فيه.
كلاهما جرحٌ مفتوح في جسدٍ واحد اسمه “العالم العربي”.
ننظر إليهما من خلف الشاشات، نحزن قليلًا، نكتب كثيرًا، ثم نعود إلى حياتنا كأن شيئًا لم يكن.
هل كُتب علينا أن نكون متفرجين على جراحنا؟
أن نكتفي بالتصفيق للألم، وإعادة نشر الصور؟
هل باتت إنسانيتنا تُقاس بعدد ما نضغطه من أزرار “إعجاب” و”تعاطف”؟
ربما لأننا نسينا أن الكلمة لا تُرمم بيتًا، ولا تُطعم جائعًا، ولا تعيد طفلاً من تحت الأنقاض.
نسينا أن العروبة ليست شعارًا نعلّقه وقت المآسي، بل وجعٌ مشترك ومسؤولية لا تسقط بانتهاء البث المباشر.
لكِ الله يا غzة...
ولكِ الله يا فاشر...
ولكل أرضٍ عربية تُذبح مرتين، مرةً بالسلاح، ومرةً بالصمت.
ياسر محمود سلمي
د. محمد عبد الوهاب المتولي بدر
د. راقية جلال محمد الدويك
د. سمر ابراهيم ابراهيم السيد
دينا سعيد عاصم
رهام يوسف معلا
ياره السيد محمود محمد الطنطاوي
فاطمة محمد البسريني
محمد محمد جاد محسن
د. نهله عبد الحكم احمد عبد الباقي
د. عبد الوهاب المتولي بدر
زينب حمدي
حنان صلاح الدين محمد أبو العنين
د. شيماء أحمد عمارة
د. نهى فؤاد محمد رشاد
فيروز أكرم القطلبي 




































