إنَّني حين أتأمل في جملة الخصائص التي ميَّز الله بها أمتنا الإسلامية بين الأمم، أجدُ أنه سبحانه قد جعلها (أمة حكيمة).!
نعم، أمة حكيمة، تولَّدت فيها تلك الحكمة بمبعث قائدها ومؤسسها مبعوث العناية الإلهية سيدنا محمد ﷺ، وفي ذلك يقول ربنا:
﴿لَقَدۡ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِینَ إِذۡ بَعَثَ فِیهِمۡ رَسُولࣰا مِّنۡ أَنفُسِهِمۡ یَتۡلُوا۟ عَلَیۡهِمۡ ءَایَـٰتِهِۦ وَیُزَكِّیهِمۡ وَیُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَإِن كَانُوا۟ مِن قَبۡلُ لَفِی ضَلَـٰلࣲ مُّبِینٍ﴾ [آل عمران ١٦٤]
ويقول جلَّ ثنائه: ﴿هُوَ ٱلَّذِی بَعَثَ فِی ٱلۡأُمِّیِّـۧنَ رَسُولࣰا مِّنۡهُمۡ یَتۡلُوا۟ عَلَیۡهِمۡ ءَایَـٰتِهِۦ وَیُزَكِّیهِمۡ وَیُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَإِن كَانُوا۟ مِن قَبۡلُ لَفِی ضَلَـٰلࣲ مُّبِینࣲ﴾ [الجمعة ٢]
وانظر إلى قوله (ويعلمهم الكتاب والحكمة) لترى الدلالة الساطعة والرسالة الواضحة على أنَّ من أهداف السماء في مبعثه ﷺ هو تعليم الناس الحكمة، وتخريج الأجيال الحكيمة، وزرع الحكمة في عقول ونفوس وسلوك أبناء تلك الأمة!!
ولعل تلك الحكمة التي وهبها الله لأمتنا من بركات دعاء أبينا إبراهيم الخليل عندما قال: ﴿رَبَّنَا وَٱبۡعَثۡ فِیهِمۡ رَسُولࣰا مِّنۡهُمۡ یَتۡلُوا۟ عَلَیۡهِمۡ ءَایَـٰتِكَ وَیُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَیُزَكِّیهِمۡۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ﴾ [البقرة ١٢٩]
فجاء النبي ﷺ وأدى أمانة الله ورسالته في تربية الأجيال على أكمل ما يكون من الحكمة، فارتقى بالعقول التي كانت تقتل ابنائها وبناتها خشية الإملاق والعار إلى عقولٍ حكيمة تحرصُ كل الحرص على تنشئةِ أبنائها نشأةً صحيحة وتوفير سّبل الحياة الكريمة لهم.
وحوَّل مجتمعًا بليدًا رجعيًا في نظرته للمرأة وهَضْم دورها إلى مجتمعٍ حكيمٍ يجعلُ المرأةَ فيه نصف الرجل، وشريكة حياته، ومحور من محاور التكريم فيه: أُمّـًا وزوجةً وبنتًا وأُختًا.
وجعل ﷺ برسالته الحكيمة من عقول الصحراء المتحجرة عقولًا متألقة ومبدعة في كل مجالات الحياة والعلوم والفنون، حملت قبس العلم والنور للعالمين عشرة قرون!!
ومن يستقرأ القرآن وسيرة الرسول ﷺ يجد أنَّ كل تعاليم الوحي الشريف - أوامر ونواهي - كانت قائمة بالحكمة، وموجِّهةً إلى الحكمة، وداعية إلى الحكمة.
ولا غرابة، فإنَّ ربنا وخالقنا موصوف بالحكمة، فهو الحكيم جلت حكمته، من حكمته انبثقت الحكمة التي غمرت تلك الأمة الحكيمة.
وبناءً عليه، فإذا كان الإسلام هو دين الحكمة، ورسولنا رسول الحكمة، وكتابنا ينطق بالحكمة، وشرعنا منسوج بالحكمة، فهل ذلك إلا نداءٌ صريحٌ لأبناء الأمة أن يكونوا حكماء، راشدين، مهتدين!!
- إنَّ الحكمة تقتضي استثمار الوقت وعدم إهداره.
- إنَّ من الحكمة استثمار الطاقات المعطلة وتنمية المهارات المكبوتة.
- إنَّ من الحكمة الحرص على صدارة التفوق في كل مجال.
-إنَّ من الحكمة صحبة مَنْ يصلح للصحبة فقط والابتعاد عن صاحب السوء.
- إنَّ من الحكمة عدم ضياع العمر في الخلافات والخصومات القاتلة.
- إنَّ من الحكمة عدم التشدد في المهور وتكاليف الزواج وتيسير طرق الحلال للشباب حماية لهم من إلحاح الغرائز التي لا أمان لها.
- إنَّ من الحكمة ألا تبيع دينك بدنياك ولا بدنيا غيرك.
- إنَّ من الحكمة الاستفادة من تجارب الآخرين إن خيرا فتقتدي وإن سوءً فتتقي.
- إنَّ من الحكمة صحبة شركاء النجاح.
- إنَّ من الحكمة ألا تأخذ قرارات في الفرح المديد ولا في الغضب الشديد.
- إنَّ من الحكمة ألا نترك القضايا الكبرى للأمة وننشغل بالجدالات العقيمة في سفاسف الأمور.
- إنَّ من الحكمة أن نكون صفًّا واحدًا وجبهة متآخية صلبة لرد الاستعمار الزاحف.
- إنَّ من الحكمة ألا نؤثر دنيا قصيرة على جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين.
إنها الحكمة... التي رفعها الله عن أهل ذلك العصر حين تنكَّر لمنهاح السماء، وأعلن حَربَه - في بجاحة وبكل صراحة - على رب العالمين، بنشر القبيح وتحلية الرذيل وتبرير المحذور.!
إننا نريد أن نعود إلى حكمة ربنا وكتابنا ورسولنا ومنهجنا لنستلهم الحكمة من جديد، وننتعش بالرشد الرشيد فكرًا وسلوكا مرة أخرى؛ عسانا نخرجُ من أزمتنا الراهنة، ونَعبُـر تلك المرحلة الصعبة.
اللهم آتنا الحكمة يارب العالمين، وحقق فينا مشيئة قولك: ﴿یُؤۡتِی ٱلۡحِكۡمَةَ مَن یَشَاۤءُۚ وَمَن یُؤۡتَ ٱلۡحِكۡمَةَ فَقَدۡ أُوتِیَ خَیۡرࣰا كَثِیرࣰاۗ وَمَا یَذَّكَّرُ إِلَّاۤ أُو۟لُوا۟ ٱلۡأَلۡبَـٰبِ﴾ [البقرة ٢٦٩] واجعلنا من أولي الألباب، وما ذلك عليك بعزيز يا أحكم الحاكمين.