ومن آيات الله في الكون أيضًا «التكيف». تلك الآية العظيمة التي نراها في كل إنسان يغترب عن بلده وأهله وزوجه لغرض ما، وقد كان يظن الحياة تستحيل بقائها إبان فراقهم، فإذ بها تسيرُ ويسير معها في اعتياد وتآلف وقد تأقلم عليها، ويتسائل في نفسه ماذا جرى لنعتاد ما كنا نتخوف قدومه.!
فتجيبه هواتف الحقيقة بأنها سنة الرحمان في الكون التي تُهوِّن على المرء الصعوبات وتيسر له العقبات، وتساعد في حل الأزمات والتعقيدات في النفوس البشرية، فيتكيف مع الظروف ويتأقلم مع الواقع ويتلائم مع البيئة المحيطة.
فعجيبٌ أمر هذا السر الإلهي الذي لولاه ما استمرت الحياة وما تحقق مقاصد العمران في الخلق والإنسان.
والأعجب من ذلك أن آية (التكيف) سمةٌ موسومٌ بها شتى الكائنات غير الإنسان الذي برزت بوضوح في سلوكه.
فنرى في عالم الحيوانات يُقسِّمُ العلماء (التكيف) إلى ثلاثة أنواع:
1- تكيف تركيبي
2- تكيف وظيفي
3- تكيف سلوكي
أما التكيف التركيبي (التشريحي) فهو تحور في تركيب أحد أجزاء جسم الكائن الحي الخارجية للتلائم مع الظروف البيئية.
مثل: تركيب قدم الجَمل للتلائم مع طبيعة رمال الصحراء، وتركيب قدم الحصان للتلائم مع طبيعة التربة الصخرية، وملاءمة أرجل الضفدعة مع وظيفة العوم على سطح الماء .....
وأما التكيف الوظيفي فهو تحور وتغير في أنسجة وأعضاء جسم الكائن الحي لتصبح قادرة على أداء وظائف معينة.
مثل: إفراز العرق في الإنسان للمحافظة على درجة حرارة الجسم، وإفراز السم في بعض الثعابين، وإفراز اللعاب عند رؤية طعام شهي .....
وأما التكيف السلوكي فهو تحور في سلوك الكائن الحي في أوقات محددة من اليوم أو السنة.
مثل: نشاط معظم الطيور نهارًا والخفافيش ليلا، وهجرة الطيور في أوقات معينة من السنة.
إذن فالتكيف سمة من سمات الكائن الحي، تساعده على البقاء والاستمرار وتخطي الصعاب.
ولعل هذه رسالة من الله عبر الكون لكل مَن تضيق عليه الظروف وتتجهم له الحياة وتتنكر له الأسباب وتعترض أمامه المسالك؛ أن اصبر وتدرب على التكيف والتأقلم والتلائم مع الوسط المحيط والظروف والواقع الذي تعيش فيه؛ حتى تسير مركب الحياة بسلام؛ وحتى لا تصاب بالإحباط والتأخير عن إدراك القمم وحيازة النِّعم.
كما ينبغي علينا أن نحمد الله على تلك النعمة التي لولاها لما استمرت على الدنيا الحياة.