بخالص الدعوات والأسى والحَسَرات ننعي أستاذنا ورئيس جامعتنا الأزهرية - حين كنتُ طالبا فيها - العالم الجليل أ.د. محمد المحرصاوي.
فيا لفجعة الأقدار التي تُفرِّق بين الأحباب وتسرق الأساتيذ من الطلاب، ولكنها آجال الكتاب المُبرم ووعد الله الذي ينفذ دون حجاب.!
مات أستاذ اللغة العربية الذي كم تعلمنا من كتاباته ومقالاته لاسيما مشروعه الضخم (الدُّرَرُ السَّنِيَّة في قواعِدِ العَرَبِيَّة).
مات رجل الإصلاح الذي كانت له بصمة قوية - والتي شاهدتها بنفسي وبعيني - في جامعة الأزهر فترة توليه الرئاسة، سواء في السكن الجامعي أو في استحداث الكليات والأقسام أو في نظام الاختبارات أو النظام الإلكتروني لشؤون الطلاب... إلخ.
كان أول لقاء لي به حين أتانا في المدينة الجامعية أيام كنتُ طالبا في جامعة الأزهر - وكان حينئذ رئيسا للجامعة - وأذكر يومها أنَّ كل الطلاب عن بكرة أبيهم خرجوا يستقبلوه ويرحبوا به بحبٍ وحفاوة ويلتقطوا معه الصور السيلفي.
فرأيته بشوشًا لم تفارق الابتسامة وجهه أبدًا، في مشهدٍ من التواضع والأدب العالي، يقف لأصغر طالب ويطمئن عليه ويسأله عن جودة الخدمات في السكن الجامعي وعن المشكلات التي تواجهها الطلاب... لدرجة أنه كان يمنع الحرس الذي معه بألا يحجبوا عنه الطلاب.!
ثم كان اللقاء الثاني في كلية التربية بأزهر أسيوط حين دَعتهُ الكلية بقيادة عميدها العلامة الكبير أ.د. محمد سيد عبد العال الجابي - بارك الله عُمره - لتكريم الطلاب المتفوقين.
ويومها ازددتُ به إعجابًا جدًا؛ بما سمعناه من كلماته الرقراقة المُشجعة المفعمة بالأمل والاعتزاز بالهوية الأزهرية والمصرية والإسلامية، وما شهدناه يومها من رشاقة روحه وصفاء ابتسامته ولطافة كلامه ومشاعره الفياضة للطلاب جعلتنا نلتف حوله في سعادة غامرة.
فكان - عليه سحائب الرحمات - عالمًا كبيرا ... وإداريًّا من الطراز الأول ... ووالدًا رحيمًا.
كان مهمومًا بواقع الأمة الثقافي، وكنت ألحظُ ذلك في محاضراته المنشورة سواء في أكاديمية الأزهر لتدريب الوعاظ - الذي كان رئيسًا لها - أو في محاضراته لأعضاء هيئة التدريس بالجامعة.
فنسأل الله أن يغفر له ويعفو عنه ويسكنه فسيح جناته ببركة هذه الأيام المنفوحة والليالي المرجوة، وأن يعوِّض الجامعة الأزهرية في هذه الخسارة اللهم آمين.