كثيرًا ما ينظر الإنسان إلى خلائق الله المختلفة، ويُكثر التأمل فيها والتدبر في جمالها ورسومها، وهو شيء حَسَنْ، يُعطي للإنسان ميزة يتميز بها عن غيره من سائر المخلوقات.
ولكن أريد أن أسمو بك أيها القارئ وأيها المتأمل المتفكر، من مجرد التفكر الاستمتاعي إلى التدبر التعليمي.
أريدك عندما تنظر إلى الطبيعة تستشعر أنها تُحدثك في أُذنيك، بأسرارها وقِيَمها وأخلاقها.
وهل للطبيعة أخلاق وقِيَم؟
نعم، كل خلائق الله تتحلى بالأخلاق والمبادئ والقِيَم!!
ألا ترى أن النباتات التي تُطلق وتَلفظُ (الأكسجين) ليتنفسه باقي الكائنات الحية فتعيش وتنعم بالحياة، ألا تراها في ذلك تُعلمنا قيمة (نفع الأخرين)!!.
ألا ترى الشمس التي تشرق في الصباح ناشرة على الخلائق نورها الساطع، وكأنها تبتسم لنا، تدعونا إلى قيمة الهنا والأمل والفأل الحَسنْ!!
ألا ترى هذا الكون الفسيح، الذي يسير بانتظام، ويتحرك بحساب وتقدير، فـ ﴿لَا ٱلشَّمۡسُ یَنۢبَغِی لَهَاۤ أَن تُدۡرِكَ ٱلۡقَمَرَ وَلَا ٱلَّیۡلُ سَابِقُ ٱلنَّهَارِۚ وَكُلࣱّ فِی فَلَكࣲ یَسۡبَحُونَ﴾ [يس ٤٠]
ألا ترى أن الكون في ذلك يُعلمنا قيمة النظام وخُلُق الانتظام والالتزام!!
عندما تستيقظ في الصباح فترى أنه قد سبقك بالاستيقاظ عوالم الطيور والحمام لتغدو في عَالَم الله تبحث عن غذائها وتُحرِّكُ أعضائها، ألا تراها في ذلك تناديك بخُلق (علو الهمة)!!
ألا تستشعر حين ترى أسراب الحمام ومجموعات الطيور - التي تغدو وتروح في جماعات وحلقات - أنها تناديك بفضل الجماعة والاجتماع!!
ألا ترى أنَّ نباتات الصحراء (كالصبَّار) تُعلمنا الصبر والتحمل؟!
انظر إلى زهور النباتات، حين تتوافد عليها مئات الحشرات لتستخلص منها الرحيق والغذاء، ما الذي يجعل النباتات تصبر على هذه المأساة؟ يُصبّرها على ذلك أن الحشرات هي التي تُلقِّح النباتات ولولا تلقيح الحشرات لَمَا أثمرتْ شجرة ولا أينعت ثمرة!!
ألا ترى أن ذلك يرشدنا إلى مبدئ (تبادل النفع والمصالح) ؟!
كذلك النبات يحصل على (غاز ثاني أكسيد الكربون) الذي يخرج مع زفير الإنسان، ليقوم بعملية البناء الضوئي، ثم يُطلق ويُصدر (غاز الأوكسجين)، فيتنفسه الإنسان، ليقوم بعملية التمثيل الغذائي، ثم يُطلق غاز ثاني أكسيد الكربون وتظل العملية مستمرة إلى قيام الساعة.
ألا ترى في ذلك خلق المشاركة والتعاون على النفع والخير؟!
ألا ترى في ارتباط ذرات الرمال مع بعضها البعض مكونة الصخور والجبال رسالة بأن (الاتحاد قوة)!!
ماذا تشعر حينما ترى رحمة الفرخة بصغارها وحنان البهيمة بوليدها ودفاع القطة عن صغارها، ماذا يتولد فيك من مشاعر حين ترى كل الحيوانات تخاف على أولادها وتحتويهم وتدفع عنهم كل أذى حتى يكبروا، ألا يشعرك هذا بمعنى (الرحمة والتضحية) !!
إنَّ كل شيء في الكون حينما تنظر له بقلب إيماني صاف ترى فيه عبرًا، وتأخذ منه درسا، وتشعر بأنه يحدثك بأسرار ومعاني أشبه ما تكون بأخلاق الإنسانية القويمة!!
ولا تعجب، فإنَّ هذا الكون كله في اتصال دائم مع الله، يستمد منه أخلاق ربوبيته وأنوار صفاته، قال تعالى: ﴿تُسَبِّحُ لَهُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتُ ٱلسَّبۡعُ وَٱلۡأَرۡضُ وَمَن فِیهِنَّۚ وَإِن مِّن شَیۡءٍ إِلَّا یُسَبِّحُ بِحَمۡدِهِۦ وَلَـٰكِن لَّا تَفۡقَهُونَ تَسۡبِیحَهُمۡۚ إِنَّهُۥ كَانَ حَلِیمًا غَفُورࣰا﴾ [الإسراء ٤٤]