على الرغم من سِعة هذه الحضارة المصرية العظيمة، وكثرة روافدها الثقافية والعلمية والهندسية والصناعية، إلا أنها لم تكن حضارة كئيبة ولا حضارة حُزن ولا نَكَد كما يتصور بعض الجَهَلة، بل كانت عندهم فُسحة كبيرة في أمرهم، يتمتعون فيها بحياتهم، ويُنفسون فيها ضغط الأعمال الشاقة التي يقومون بها، وإن وسائل تلك الفسحة والبهجة كثيرة ومتعددة.
وحسبُنا أن نقف في هذه السطور على وسيلة واحدة من وسائل الفَرَح والمَرَح والفسحة، وهي «الألعاب» !!.
ونتسائل: هل كان المصري القديم عنده ألعاب ووسائل تسلية كما عندنا؟
نعم، كان عنده مجموعة من الألعاب التي كان يمارسها الصغير والكبير، بل من العجيب أنَّ بعض الألعاب التي نمارسها اليوم ما هي إلا إحدى المورثات عن حضارة أجدادنا قدماء المصريين !!. كيف ذلك؟
لقد تكلم الكثير من علماء المصريات عن وسائل اللعب وأنواعه عند قدماء المصريين، ولعل مِن أبرز الذين أفرَدوا وخصَّصوا لهذا الموضوع كتابًا خاصًا، هو عالم المصريات الكبير، وكان وزيرًا للآثار في مصر، الأستاذ الدكتور زاهي حواس - بارك الله في عمره - حيث ألَّف كُتيبًا لطيفًا خفيفًا أسماه: «الألعاب والتسلية والترفيه عند المصري القديم».
يقول الدكتور زاهي في مقدمته: «والحضارة المصرية عظيمة في كل شيء، أجدادنا الفراعنة برعوا في كافة المجالات من سياسة واقتصاد وعمارة وهندسة وفلك؛ مما يشير إلى أن المصري القديم كان يستغل كل وقته في العمل الجاد الناجح، ولكن هذا لم يمنعه من قضاء أوقات في الترفيه والتسلية، فكانت هناك دائمًا أوقات للمرح، كذلك اهتم بقضاء وقت فراغه في شيء مفيد ومسلِّ بعد الانتهاء من أعماله الشاقة؛ فكان يلجأ إلى اللهو والمرح وممارسة أنواع مختلفة من الرياضة مع أسرته وأطفاله في الحديقة أو فى أحراش الدلتا وحولهم أطفالهم يلعبون؛ لأنه لم تكن هناك دور معينة لذلك أو ملاهي».
ثم قسَّم الدكتور زاهي حواس الألعاب إلى ستة أنواع:
1- الألعاب الرياضية: تحدث فيها عن الجري، والسباق، والرمي بالسهام، (كان أمنحتب الثاني بطل الرمي بالسهام)، والفروسية (ركوب الخيل)، والقفز، وخُطا الإوزة، وهي لعبة يجلس فيها صبيان متقابلان وقد وضع كل منهما إحدى قدميه الممدودتين فوق الأخرى ووضع كفيه فوقهما فى وضع قائم، ثم يتتابع اللاعبون فى القفز...
2- الرياضة العنيفة، مثل: ألعاب المصارعة، والمبارزة، وحمل الأثقال،......إلخ.
3- الرياضة المائية: كالتجديف (السباحة)، والصيد، .......
4- الألعاب الذهنية: كلعبة المربعات العشرين «لعبة الداما»، وهي لعبة كانوا يلعبونها على لوحة مستطيلة، مقسمة إلى عشرين مربعًا من ثلاثة صفوف يحتوى الأوسط على 12 مربعًا، بينما يحيط بجانبيه صفان قصيران بكل منهما أربعة مربعات، وبالصندوق أدراج لحفظ قطع اللعب. أما لوحات اللعب فتتكون من خمس قطع لكل لاعب، وهي تختلف في شكلها عن الخمس الأخرى؛ فقد تتخذ الشكل المخروطي أو أشكالاً فنية كرأس كلب أو أسد أو ابن آوى أو هيئة القزم، فهي غير منقوشة، تميز كل مربع عن الآخر بزهرة أو برمز للحظ الحسن ويحتوى بعضها على كلمات تعبر عما يقع على اللاعب من نفع أو ضرر.....
كذلك لعبة «السِنت»، وهي لعبة تكون بين اثنين، شاعت بين الأمراء والأسرة المالكة، وأيضًا بين كافة أفراد الشعب، اعتمدت على التفكير، وكلمة سنت معناها «العبور» وهي كانت من الألعاب المحببة عند أجدادنا، يلعبها شخصان يحرك كل منهما قطعة حول رقعة مقسمة إلى خانات (كالشطرنج) وعلى اللاعب أن يراوغ خصمه؛ حتى يستطيع أن يتغلب عليه.
كذلك لعبة الثعبان «كالسلم والثعبان حاليًا»......
5- ألعاب الأطفال: اللعب بالكُرَة، ولعبة «خطا الإوزة»، ولعبة الحمار (نسميها الحمارة الطويلة الآن)، ولعبة إخفاء الوجه،..... ولعبة الاقتلاع، وهي مباراة بين اثنين لاقتلاع أداة أو أداتين مدببتين من كتلة خشبية مستطيلة وقذفها بعيدا بضربة سريعة وقد أمسك كلاهما بعصا في كل يد وتهيا للضرب في آن واحد.
6- ألعاب الأكروبات: وهي عبارة عن ألعاب بهلوانية راقصة متنوعة الأشكال، وكان يشترك فيها الأولاد والبنات، ومن أمثلة هذه الحركات:
أ- لعبة يقف فيها ثلاثة أولاد جنبًا إلى جنب، ويصعد رابعهم لينتقل على أكتافهم معتمدا على يديه وقدميه بما يشبه بعض تمارين (الجمباز الحالية).
ب- غلام يقف على رأسه.
ج- اثنان يجلسان على الأرض ويخالف كل منهما وضع إحدى ساقيه على الأخرى ويشدهما بقوة.
د- رجل يقف على رأسه بما يشبه رياضة (اليوجا) !!.
هـ- فتاة تقوم بعمل دائرة كاملة بجسدها عن طريق ثني الجذع إلى الخلف حتى ترتكز براحتى يديها على الأرض، ويطلق عليها الأطفال الآن (لعبة القبة)!!.
وهكذا عرف المصري القديم الاستمتاع بوقته بألعاب طريفة ومفيدة، تنمي قدراته البدنية والذهنية وتروِّح عن نفسه، وكان المصري القديم في ألعابه مميزا متنوعًا، ولم يخلُ وقت تسليته من فن، ففي الألعاب الذهنية نَحت قطع اللعب بأشكال عديدة بديعة، وحفظها في صناديق الأبنوس المطعمة الرائعة الجمال، وأخيرا حفظت لنا اللوحات والجداريات والآثار المختلفة تفاصيل أوقات المرح والتسلية في حياة المصرى القديم.
أما عن وسائل الفَرَح والمَرَح والفُسَح الأخرى التي كان يتمتع بها المصري القديم، فسوف نكتبُ عنها في مقالات أخرى بإذن الله.