هل يمكن للإنسان أن يعيش وحيدًا في هذا الكون، منفردًا عن الناس والأجناس، منعزلا عما يحدث حوله من تحديات وأمور؟؟
يؤسفني كثيرًا ويحزنني إذا سمعتُ أحدًا يقول: ما لي وما يحدث في البلاد؟ لماذا أشغلُ بالي وأُعكر حالي وأحطم آمالي بتلك المشاكل التي تحدث للشعوب هنا وهناك؟ ما الذي يُجدي من متابعتي لظروف المجتمع وأحواله؟
ولا شك أن هذه - وغيرها من الأفكار - نذير شر يهدد بقاء الأمة واستقلالها واستقرارها، سَعت لتحقيقه بكل وسيلة أعدائها الذين يريدون لها النوم وغياب الوعي.
إنَّ الانشغال بالمشكلة والاهتمام بها جزءٌ من حلها وطريق ممهد لمعالجتها.
وإذا تأملنا في تاريخ نزول الوحي الإلهي نجد أن الآيات كانت تتنزل على حسب الأحداث؛ لتحل مشكلة أو تعالج قضية أو تحذر من خطر أو ترغب في ظفر، وفي ذلك كانت دعوة صريحة للأمة لتكون يقظة العيان والجنان لِما يجري حولها وما يُحاك بها.
ولما كثر تسائل الناس عن النبأ العظيم وأخذ هذا التسائل مساحة كبيرة من تفكير المجتمع وباتوا مشغولين بالتفكر فيه والحديث حوله؛ نزل القرآن الكريم ليعلن اهتمامه بما يجري بينهم وما يشغل حياتهم، فقال: ﴿عَمَّ یَتَسَاۤءَلُون ۞ عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلۡعَظِیمِ ۞ ٱلَّذِی هُمۡ فِیهِ مُخۡتَلِفُونَ ... ﴾ [النبأ].
إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث النبوية التي تؤكد على أن المسلم الحق هو الذي يفرح لفرح أخيه ويحزن لحزنه وينصح له ويعينه في الشدة واليسر، وأن الإسلام تناصح وتعاون وتبادل مشاعر ومصالح، وأن المسلم مرآة أخيه.
فقال ﷺ: (والله لا يؤمن من بات شبعانا وجاره جائعا وهو يعلم).
فلا يقل أحدٌ: ما لي وغيري؟
لأنك لا تستطيع أن تعيش بعيدًا عن غيرك، فهم منك وأنت منهم، إن سعدت الأحول سعدنا جميعا، وإن فسدت الظروف ضعنا جميعا.
ولأنه ببساطة كما يقول أحمد شوقي في أسواق الذهب:
[يا أخا العزلة لو طرت عن الناس ما وقعت إلا عليهم].
فلا مفر من مواجهة الواقع وتحمل ظروفه، لكنَّ الاهتمام به والانشغال بأحواله ربما يجعلك تقدم يومًا بعض الشيء الذي يكون عونًا على استقراره وازدهاره، وبالله ينصلح الحال ويهدأ البال ويتيسر لنا المحال إن شاء الله.