الرواية للكاتب: عزت أبو النجا
قراءة نقدية: مي حسام أبو صير
الحجم من القطع المتوسط
التصنيف: أدب رعب وغموض
عدد الصفحات: ٩٦
صادرة عن دار ديوان العرب للنشر والتوزيع
فَرضت روايات الفانتازيا نفسها على الساحة الأدبية في الآونة الأخيرة لا سيما الرعب منها، حيث تلقى إقبالاً من الشباب كتاباً كانوا أو قراءً، خاصة بعد تأثر جيل كامل بروايات د.أحمد خالد توفيق الذي يعد رائداً لهذا النوع من الأدب بالعصر الحديث، ولكن ربما حدث ذلك التأثر من الأساس بسبب الثقافة الشعبية للمجتمع من وجود أساطير وخرافات على مر العصور (النداهة، أمنا الغولة، أبو رجل مسلوخة)، ومنها ما يعود لحقائق وظواهر حدثت بالفعل وتم تحريفها بعد تناقلها على الألسن، ومنذ قديم الأزل وإلى الآن مازال يرتبط الرعب في مجتمعاتنا الشرقية بالجن والشعوذة والسحر رغم أن المنتشرة حالياً في الأدب العالمي فكرة مصاصي الدماء والزومبي وعودة الموتى.
ومن وجهة نظري ليس فقط المتوارثات والمعتقدات هي السبب في انتشار مثل هذا النوع؛ فربما رغبة الشباب في الخروج عن المألوف والتمرد على الواقع وامتلاك القوى التي تحقق المستحيلات داخل مجتمع قل فيه الممكن وكثر اللا ممكن.
والآن أمامنا نموذج من هذه الأعمال وقد اختار الكاتب أن تكون حبكته من خلال التيمة المتعارف عليها والمضمونة لدى الشباب، اللجوء للدجل والشعوذة وسيطرة الدجال على عقول العامة وخاصة في الريف بعيداً عن أعين الرقابة وسيطرة العلم والتسليم بالمتوارثات أكثر من الإيمان بالله عز وجل، استعانة الدجال بالجن وتقديم التضحيات والقرابين_أياً كانت_ مقابل الحصول على قوة أكبر وقدرات أعظم يستطيع بها السيطرة على غيره من ضعاف النفوس وقليلي الإيمان، فما كان ذلك سوى ابتلاء من الله لتميز الأخيار من الأشرار، ولي الله من عدوه، الصادق من المنافق، فكما قال الله عز وجل {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ}.
أولاً: العنوان
مباشر مطابق لمحتوى العمل ومضمونه، جملة اسمية تؤكد ثبوت واستقرار وجود تلك الصفقة التي سنعلم من البداية أن هناك من عقدها مع ذلك الشيطان، فكان العنوان مفهوماً دون مراوغة، موضح للفكرة غير كاشف لتفاصيلها.
ثانياً: الغلاف
جاء مناسب لمفهوم العنوان؛ فيوضح لنا أكثر طبيعة تلك الصفقة، فتاة مجهولة حتى الآن تقوم بعمل طقوس وحركات خاصة بالسحر، أمامها كتاب يحمل طلاسم، وذلك القرص الدائري بداخلة النجمة المعروف علاقتها بالسحر.
خلفية ذات لون أسود قاتم يعكس الغموض وراء صورة الغلاف، يتخلله اللون البرتقالي الناري ليضفي الإثارة والحماس وبعض من الرهبة والدهشة للتفاصيل التي تؤكد وجود أفكار سحرية باطنة، ومشاعر مخفية غامضة.
ثالثاً: المتن
_ البداية
جاءت البداية مع العتبة النصية الوحيدة وهي (المقدمة) فلم يقسم العمل إلى أي فصول أول عتبات أخرى نستطيع التوقف عندها.
أما المقدمة فهي صفحة واحدة صيغت بالعامية المصرية، فكانت أولى مآخذي على العمل، ليس فقط بسبب كتابته باللغة الدارجة البسيطة، ولكني توقفت كثيراً أمام أول عبارتها أحاول اكتشاف قصد الكاتب؛ فكانت "الإنسان يساوي صفر.... كل واحد فينا يمثل في حياته الصفر في حياة شخص آخر"؟!
ربما اكتشفت بعد ذلك الهدف والمعنى الإنساني وراء مقدمة الكاتب التي لم يحالفه الحظ في صياغتها.
_ الحبكة
بدأ الكاتب أحداثه مباشرة بحوار سريع أدخلنا في خضم الأحداث بدون تمهيد فقط سطر عن لسان بطلة القصة تخبرنا أنها القاص؛ فلم يحتج الكاتب لراوي حيث افتقد العمل السرد إلا القليل من الوصف الموجز.
نكتشف من خلال الحوار أننا في إحدى قرى الريف المصري حيث تستغل الدجالة "سماح" إحدى السيدات في الوصول لمعلومات عن أهل القرية وابتزازها من أجل خدمتها، تتصاعد الأحداث وتتشابك فتنتقل الدجالة بعائلتها للقاهرة تحت قيادة ابنتها الطبيبة التي تؤهلها لإكمال مسيرتها في التواصل مع الجن والدجل من أجل قدرات أكبر وثروات أكثر لنصل إلى ذروة الأحداث.
جاءت الحبكة مقنعة إلى حد ما رغم مآخذي على بعض الثغرات التي كان يمكن تلافيها من خلال السرد إن كان قد وجد.
ظهرت العقدة مع تيار الأحداث سواء الرئيسية أو الثانوية وتتابع الحوادث التي معظمها مقنعة، بعض الأحداث غير منطقية إذا تحدثنا عن رواية واقعية اجتماعية تحدث بالفعل وليست فانتازيا اللا منطق، فنجد أمامنا تفاصيل غير مبررة وأخرى تم تجاوزها دون تبرير مقنع.
_ البناء اللغوي
السرد والحوار مكثف، وثيق الصلة بالشخصيات مستمد من طبيعة حياتهم وبيئتهم سواء في الريف أو المدينة.
يعتبر العمل بلا سرد يذكر، فقط وصف بسيط لبعض المشاهد لا يتجاوز الثلاثة أسطر أو أقل، وقد ساد الحوار مما جعلني أتوقف متسائلة، هل يمكن تصنيف العمل سيناريو أو سكريبت؟
افتقد العمل البلاغة المطلوبة كرواية، فغابت الفصاحة التي لا تتنافى نهائي مع اللغة الدارجة بين العامة.
اختلط حديث الجن في العمل بين الفصحى والعامية بطريقة غير مبررة، وكنت أفضل من البداية أخذ الفصحى كلغة حديث الجن، كما أتمنى في الطبعات المقبلة تحري التدقيق اللغوي.
توقفت أمام نص في مدح الحبيب المصطفى على لسان البطلة أتأمل مفرداته وبلاغته، فكان كعودة للروحانيات ونقاء للنفس أحيي الكاتب على اختياره.
_ الزمكان
أرفع القبعة للكاتب وقد أثبت مهارة في إتقان حبكته من حيث الزمان والمكان، سواء الزمن الواقعي أو النفسي في العمل؛ فلم ألحظ أي خلل أو تناقض بينهما إلا في بعض النقاط التي كان يمكن تلافيها من خلال استخدام الإطناب المبرر في السرد وخاصة أن العمل لم يتجاوز المئة صفحة.
_ الشخصيات
نجح الكاتب في إظهار التحولات في شخصيات الأبطال وأبعادها النفسية من خلال الحوار.
تغير سلوك "هبة"ابنة الدجالة ووريثتها، تأثير البيئة التي نشأت بها، دافع الانتقام الذي سيطر على صديقتها "غزل"، الطمع والحقد في نفوس بعض الشخصيات الثانوية، الشيخ صابر مثال للرجل الصالح قوي الإيمان والذي استخدمه الكاتب لتوضيح رحمة الله وعفوه مهما كانت الذنوب والمعاصي.
رابعاً: النهاية
وفق الكاتب في وضع نهاية مثالية مرضية لضمير القارئ، تحمل معنى الجزاء من جنس العمل، غير مخالفة للعقدية، وقد تم توظيف الفكرة للوصول للعبرة والعظة المناسبة مع طبيعة المجتمع وأفكاره متجاوزة مبدأ الرعب من أجل الرعب فقط.