كانت المرة الأولى التي تركتني أعود فيها بمفردي من المدرسة، ظللت طوال اليوم أرتعد كلما تذكرت أني سأسير وحدي في ذلك الطريق الذي طالما أرهبني بمبانيه الضخمة وأرصفته المرتفعة.
رن الجرس معلنًا نهاية اليوم وبداية المشوار دون أي ادعاء مني بالشجاعة.
الحقيبة ثقيلة، ثقيلة جدًا يا أبي، ومع ذلك لم أشكُ، سأتحملها حتى أصل، فلن يسمع شكواي أحداً، أشعة الشمس تتآمر عليّ، تغتال أفكاري وتحرق عينيّ كسياط تتتابع جلداته على وجهي، فرت دموعي هاربة رغماً عني ولكنها تجمدت عندما قابلَت برودة الجو من حولي.
كل الوجوه تعرف أني بمفردي، نظراتها نحوي مخيفة، كيف شعروا بخوفي؟!
الطريق طويل، طويل ولا ينتهي يا أبي، قدماي تؤلماني وما زلت في البداية، نبضات قلبي تتسارع بإجهاد رغم خطواتي المثقلة.
وأخيراً، رأيت ظلك يقترب بابتسامة حانية تزيح عني غدر الشمس ووحشة الطريق، تسارعت قدماي إليك تطلب الأمان، فتحت ذراعيك لترحب بجسدي الصغير؛ فوجد قلبي ملاذه بالقرب منك، ذابت دموعي على صدرك فابتسمت دون أن تزيل آثارها من وجهي، وتركتني لأكمل وحدي الطريق، فقد كان هذا الحضن الأخير أبي.