الكُلّ في ترقُبٍ لمعرفةِ القرار، حتّى إذا بلغَ الشوق أقصاهُ أفرجَ الأبّ عن شفتيه، ليقول: تقرّرَ أنَّ غدًا الجُمعة هو يوم مريومة، وحتّى لا تُرهقوا أذهانكم سأُوضح لكم؛ سيكون يوم الجُمعة من كُلّ أسبوع هو يومُ مريومة، نحتفي فيهِ بنجاحاتها الصغيرة، وكَنوعٍ من إعطاءِ الثقة لها، سنجعلها تصنع لنا عِدّة وجبات.
سألتهُ فاطمة: لِم أبا ميدو؟
أجابها: للتصدُّقِ بها أُمّ ميدو.
مريومة بعدما حكّتْ رأسها: وعلى مَن سنتصدّقُ بها أبي وكُلّ النَّاسِ لديها طعام؟
ميدو بعدما استأذنَ أباهُ في الردِّ عليها: بالطبعِ ليسَ كُلّ النَّاسِ لديها طعام أُخيّتي؛ إذ هُناكَ الفقير الذي لا يملأ معدتهُ بالطعامِ لقِلّته، وهُناكَ مَن لا يَملك قوت يومه، وهُناكَ مَن يعملُ وأجرهُ لا يكفي إلَّا أنْ يبتاعَ بهِ بعض الخُبز وفقط، وهُناكَ مَن لا يتركهُ المرض ليأتي بثمنِ الطعام، وهُناكَ مَن يصبرُ على الجوع، وهُناكَ مَن لا يصبر عليهِ الجوع.
ابتسمتْ الأُمّ لابنها وأضافتْ: أحسنتَ ولدي أحسنَ اللَّهُ إليك.
نَظَرَ الأبّ لمريومة وعلّقَ بقوله: هكذا تكون نتائج القراءة المُثمرة، لتُكثري من القراءة كي يزداد عِلمك، وتتوسع مداركك.
أومأت مريومة لهُ ثُمَّ أردفتْ: لا كلام على طعام، هيّا لتتذوقَ ملوخيتي أبي.
ابتسموا جميعًا وشرعوا في تناولِ الطعام.
تناولوا الطعام ثُمَّ ذهبوا ليَقِيلوا بعض الوقت، على أملِ أنْ يستيقظوا لصّلاةِ العصر.
مرَّتْ ساعة ونصف وها قد استيقظتْ مريومة، دلفتْ دورة المياه، توضأتْ، ثُمَّ أيقظتْ ميدو، توضأ، ثُمَّ أيقظَ أبويه.
وعلى أذانِ العصر كانَ عادل قد تجهّزَ للصّلاةِ فذهبَ إلى المسجدِ بصُحبةِ ميدو، بينما فاطمة ومريومة تُصلّيان في مِحرابِ البيت.
انتهتْ مريومة من صّلاتها بينما أُمّها لم تَزل تُصلّي، أخذتْ كُتيب الأذكار لتقرأ أذكار المساء، وأثناء ذلكَ سَمِعَتْ طرق الباب، أسرعتْ لتَرى مَن الطارق.
فتحتْ الباب فإذ برحمة ابنة عَمِّها قد جاءتْ لتجلسَ معها بعض الوقت، خرجتْ فاطمة من المِحرابِ بعدما أنهتْ صّلاتها، رحبّتْ برحمة وطلبتْ من مريومة أنْ تُجالِسَها بالحديقة.
دقائقَ معدوداتٍ وكانتْ فاطمة قد أعدَّتْ لرحمة واجب الضيافة؛ فوضعتْ لها على صينيةِ التقديم بعض الكعك المحشو بالملبنِ الأبيض، وكذا بعض شطائر الشيكولاته، بالإضافةِ لمشروبِ الموز باللبن.
سُرَّتْ رحمة حينَ وضعتْ فاطمة الصينية أمامها على الطاولة، ثُمَّ شكرتها على كرمِ ضيافتها، ابتسمتْ لهما فاطمة وعادتْ لمطبخها.
أخذَ إمام المسجد يخطبُ في المُصلّين عن فضائلِ الصدقة، وتأثير إخراج زكاة المال على الحياة الاجتماعية بصفةٍ عامّة، وعلى المُستحقّين بصفةٍ خاصّة، ثُمَّ نوّهَ بأنَّ عنوان الخِطبة القادمة سيكون عن ضياع ربّ الأُسرة لأُسرته.
لفت العنوان انتباه ميدو فأخذَ يُفكّر حتّى بدا عليهِ الشرود، سألهُ أباهُ عن سرِّ شروده؟
أجابهُ بأنَّهُ لم يَكُن يتوقع أنْ يُضيّعَ الأبّ زوجهُ وأبناءه، بل لم يَكُن يتخيّل أنْ يهونَ الأبناء على أبيهم يومًا ما.
ربت الأبّ على كتفهِ بعطفٍ قبلَ أنْ يُضيف: مَن لا يخشى اللَّه يفعل ما شاء، لا تغتَم بُنيّ فالدُّنيا مليئة بأمثالِ هؤلاء.
قَبَّلَ ميدو يمين أبيهِ ثُمَّ أخذَ يدعو لهُ بالصّحةِ والسِتر والعافية حتّى خرجا من المسجد.
بعد أنْ تناولتْ رحمة ما أعدَّتهُ لها زوج عمّها (فاطمة) أخذتْ تلعب مع مريومة لُعبة رائعة؛ وهي أنْ تضعَ إحداهما يدها في صندوقِ القصص، دونَ النظر إلى عنوانها، ثُمَّ تقوم بإخراجِ ما مسكتهُ يدها فتقرأهُ على الأُخرى.
وضعتْ رحمة يدها في الصندوقِ فأخرجتْ قصّة جميلة، ثُمَّ قرأتها على مريومة، وسألتها عن ما تعلّمتهُ منها، بعدها وضعتْ مريومة يدها لتخرجَ بقصّةٍ قَيّمة، أدهشها عنوانها (لأنَّكِ جوهرة)، تفكّرتهُ قبلَ أنْ تبدأ بقرأتها على رحمة، استوقفتها الصفحة العاشرة من الكتابِ والمُعنونة (لأنَّكِ جوهرة لا يَليقُ بكِ أنْ تفعلي) ومسطورٌ تحتهُ بعض الأفعال، سألتها رحمة وهل هذا الكلام موّجهٌ لنا أم للفتياتِ الكبيرات مريومة؟
فكّرتْ مريومة قليلًا قبلَ أنْ تُجيبها: موّجهٌ لنا نَحنُ رحمة لأنَّ عائشة بطلة القصّة هي في مِثلِ عُمرنا، أومأتْ لها رحمة بالإيجاب، لتُكمِلَ باقي القصّة.
عادَ ميدو من المسجدِ بعدما أدّى صّلاة العصر، وقرأ أذكار المساء، واستمعَ لإمامِ المسجد أثناء خُطبته، ألقى السلامَ على أُمّه، أخبرتهُ أنَّ رحمة ابنة عمّهِ في الحديقةِ مع مريومة، استأذنَهما بصوتهِ قبلَ أنْ يدلفَ الحديقة، ثُمَّ ألقى عليهما السلام، وخَصَّ رحمة بعباراتِ الترحيب، دلفَ غُرفتهُ ليُكملَ قراءة ما بدأهُ في الصباحِ قبلَ أذان المغرب.
همّتْ رحمة بالذهابِ إلَّا أنَّ فاطمة طلبتْ منها أنْ تتأنى بعض الوقت، ثُمَّ جاءتها بحقيبةٍ ملأ ببعضِ الفاكهة، وشطائر الشيكولاته، بالإضافةِ لبعض الكعك والسكاكر؛ لعِلمها بحُبِّ فارس للسكاكرِ والشطائر، وحُبّ أبويها للكعكِ والفاكهة.
قبّلتْ رحمة مريومة وفاطمة ثُمَّ ذهبت لبيتها الذي يبعد عن بيتِ مريومة بعض الأمتار.
وصلتْ البيت لتَرى عمّها قد جلسَ بصُحبةِ أبيها على الأريكةِ أمامَ البيت، ألقتْ عليهما السلام، ثُمَّ دلفتْ إلى الداخل.
أخذتْ فاطمة تتصل بأُمّها هاتفيًا لتطمئنَّ عليها، بينما مريومة تُعِدُّ أوراقها ليومِ غدٍ وما تحتاجهُ من مكونات، تركتْ ما بيدها وذهبتْ لتُصلّي المغرب، ثُمَّ ساعدتْ أُمّها في إعدادِ العَشاء، تناولوهُ وقاموا لصّلاةِ العِشاء، صلّتْ هي وأُمّها بالمِحرابِ بينما أبيها وأخيها يُصلّيانِ بالمسجد.
أنهتْ مريومة صّلاتها وعادتْ تُرتب أوراقها قبلَ أنْ تنام، جاء عادل وميدو، دلفَ ميدو غُرفتهُ لينام، بينما دلفَ عادل غُرفتهُ ليَرى فاطمة تبتسم لهُ بعدما تزيَّنتْ لتكونَ في أبهى حلّةٍ لها.