أشرقتْ الشَّمسُ لتُعلِنَ قدومَ يومِ الجُمعة، وها هو عادل يتناول الإفطار مع طفليهِ وزوجه، بعد ما أدّوا فريضة الفجر، وقرأوا أورادهم من أذكارِ الصباح، أعدَّتْ فاطمة إفطار الجُمعة؛ وهو إفطارٌ خُصَّ بهذا اليوم، يتكون من بطاطس تَمَّ سلقِها وهرسِها وأُضيفَتْ لها بعض الزُبدة، بيضٌ مقليٌ بالسمنة البلدي، جُبنة فلاحي محتفظة بالقشدة، سلطة طماطم، جرجير ومقدونس، فطير مشلتت بالزُبدة، وأخيرًا عسل أسود.
تناولوا الإفطار وجلسوا بفناءِ الدار، يحتسي عادل كوبًا من منقوعِ النعناع الأخضر، بينما تُرتِق فاطمة بعض الثياب، وميدو كعادتهِ قد اختلى بكتابٍ يقرأه.
خرجتْ مريومة من غُرفتها بعد ما أنهتْ كتابةِ ما تحتاجهُ من أغراض، أعطتْ أباها الورقة، قرأها ثُمَّ ابتسمَ لها قبلَ أنْ يسألها: ولكنْ ما الداعي للدقيقِ وسنبتاعُ فاكهة؟
جلستْ على المِقعدِ المُقابل لهُ وأخذتْ في التوضيح: بالطبعِ هُناكَ داعي أبي، وإلَّا ما سطرتهُ في هذهِ الورقة، لكنَّني لن أُفصِحَ لحضرتكَ حتّى أُتِمَّ عملي.
نَظَرَ لفاطمة وابتسم ثُمَّ أضاف: قد شابهتكِ مريومة كثيرًا يا زهراء قلبي.
تبسمتْ لهُ فاطمة بخجلٍ ملحوظ.
ذهبَ عادل إلى السوقِ بصُحبةِ ميدو ليبتاعا الأغراض المطلوبة.
وبعدَ نصفِ ساعة من الزمنِ عادا إلى البيت.
سُرّت مريومة لرؤيتهما بعد ما أتياها بالأغراض.
ها قد جئناكِ بما طلبتِ بُنيّتي، هيَّا لتُعدّي الوجبات، ثُمَّ جلسَ بجوارِ فاطمة.
حسنًا أبي سأفعل، وطلبتْ من ميدو مُساعدتها في حملِ الأغراضِ إلى المطبخ.
أخذتْ تنظُر للأغراضِ بعد ما نقلتها بمُساعدةِ ميدو، تهللتْ أساريرها حينَ تذكّرتْ أنَّ ما ستفعلهُ اليوم هو عملٌ خالصٌ لوجهِ اللَّهِ سُبحانَهُ وتعالى، شَمّرتْ عن ساعديها واستعانتْ بربِّها على إنجازِ عملها، ثُمَّ أتتها فاطمة لتُشرِفَ على عملها.
وضعتْ إناءً على النّارِ بهِ ماء، وانتظرتْ حتّى أخذَ في الغليان، أضافت لهُ الدجاج بعد ما قطّعتهُ وغسلتهُ جيّدًا _كما تعلّمت من أُمّها_ دقائقَ معدوداتٍ وكانتْ المياه تغلي وتفور، أخرجتْ الدجاج منها وسكبتها في الحوض، وأعادتْ وضع الإناء بماءٍ جديد، انتظرتهُ حتّى بلغَ الغليان فوضعتْ فيهِ الدجاج، وأضافتْ إليهِ بعض ورق اللورا والبُهار، والمَلح والهيل.
أخرجتْ الفاكهة وأخذتْ تُعبّأها في أكياسٍ ملّونة وجميلة المنظر، ثُمَّ طلبتْ من أُمّها _التي تُشرف على عملها_ أنْ تُجهّزَ لها الخلّاط الكهرُبائي، فعلتْ فاطمة ما طلبتهُ مريومة وزادتْ أنْ أخذتْ منها البيض والسمنة البلدي، والسُكّر ورشة ملح، ومِقدار ثلاثة أكوابٍ من اللبن، وضعتهم جميعًا في الخلّاط وأوصلتهُ بالكهرُباء ليتمّ مزجهم جيّدًا بعد دقائق، بينما مريومة قد وضعتْ الدقيق ومعهُ بعضًا من مسحوقِ الفانيليا والكربوناتو، وأخذتْ تُضيف إليهِ الخليط رويدًا رويدًا وهي تقوم بمزجهم بالمضرب السلك حتّى انتهتْ.
صبّتْ الخليط في صينيةٍ مدهونة بالسمنة البلدي، وبها بعض ذرّات الدقيق، ثُمَّ أعطتها لأُمّها لتضعها في الفرنِ المُشتعل مُسبقًا، لحظاتٍ وهدّأتْ فاطمة من حرارةِ الفرن بعد ما أغلقتْ بابهُ بإحكامٍ كي لا يتسرب الهواء للداخل.
في هذهِ اللحظات كانَ الدجاج قد نضج، أخرجتهُ فاطمة من الحساءِ ووضعتهُ جانبًا ليبرُد، ثُمَّ أتتْ بإناءٍ آخر بهِ ملعقتينِ من الزُبدة وملعقة من الزيت، ووضعتهُ على النّار، لتقوم مريومة بعمل الأرز بالشِعرية، أخذتْ تُقلّبُ في الشِعرية حتّى أضحى لونها ذهبي، فأضافتْ إليهِ الأرز المغسول مُسبقًا، وملعقة صغيرة من مسحوقِ الفُلفل الأسود، وقلّبتهُ تقليباتٍ معدودة، وبعدها أضافتْ إليهِ حساء الدجاج حتّى غَطّته ولم تزد، وانتظرتْ حتّى بلغَ الغليان فغطّتهُ وتركتهُ ينضج على نارٍ هادئة.
وضعتْ فاطمة الدجاج بالصينيةِ وعليهِ بعض الزُبدة والبُهار، وأدخلتهُ الموقد الغازي؛ ليتمَّ تحميرهِ على الشوّاية، بينما مريومة تتفقد الأرز.
لحظاتٍ وعمّتْ الروائح الزكية أرجاء البيت.
مَرّت ساعة وها قد أصبحَ كُلّ شيءٍ جاهز الآن، أخذتْ مريومة تغرف الأرز فتضعهُ في العُلب، وتضع فوقهُ قِطع الدجاج، وبجانبهِ بعض السلطة، وبُعيضِ الطحينة، ورغيفينِ من الخُبزِ الأبيض، وهكذا حتّى أتمَّتْ الأمر.
ثُمَّ أخذتْ تضع قِطع الكيك في عُلبٍ صغيرة بعدما زيَّنتها بالكريمة وقِطعِ الفراولة، وبعدها رتّبتْ أكياس الفاكهة، ليُصبِحَ كُلّ شيءٍ جاهز.
دلفَ عادل المطبخ بعد ما نادتهُ فاطمة ليَرى ما صنعتهُ مريومة بمُعاونةِ أُمّها وتحت إشرافها.
سُرَّ لِما رأى، وقَبّلَ مريومة، ثُمَّ أضاف: باركَ اللَّهُ لي فيكِ مريومتي الحنونة، وأمسكَ بعُلبةٍ من عُلبِ الكيكِ وأردف: لأجلِ هذا كانَ الدقيق.
أومأتْ لهُ مريومة بعد ما ابتسمتْ.
باركَ ميدو عملَ أُختهِ ثُمَّ طلبَ منها أنْ تتجهّزَ لتذهبَ معهما هو وأبيهِ لتوزيعِ الوجبات.
تهللتْ أساريرها وراحتْ تتجهّز.