سُبحانَ ملك الملوك ربّ العِزّةِ والجبروت!
أسمعتَ عن عصر الغلاءِ والبهاء؟
إنَّهُ العصر الذي نَحنُ فيهِ، عصرُ الغلاءِ والبهاء؛ أمَّا الغلاءُ فهو كُلّ ما ارتفعَ سعرهُ عن دخلِ المواطن العادي القاطن في كوكبِ الأرض، فلا هو يستطيع أنْ يأكُلَ ويتعالج، ويتعلّم ويكتسي، ناهيكَ عن بُعيضِ الرفاهية التي لا بُدَّ منها كي يُواصلَ رسالتهُ في الحياة.
وأمَّا البهاءُ فهو ما نراهُ اليوم من تسليطِ الضوء على السفاهة والتفاهة واِعلاء كلمة أهلها، ولا غَرابةَ في الأمرِ ما دامَ البُعدُ عن منهجِ اللَّهِ ورسولهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم_ هو ديدَنُ البعض، والبعضُ بطبعهِ يؤثرُ على الكُلّ، طالما الكُلّ يقطن كوكب واحد هو كوكب الأرض.
التسامُح من شِيَمِ الكِرام، نبلٌ في حدِّ ذاتهِ، يُعبّرُ عن أصالة مَعدِنِ صاحبهِ، وكفى بهِ شامة للأفاضِل!
حينَ أمرَ اللَّهُ سُبحانَهُ وتعالى سيدنا موسى _عَلَيْهِ السلام_ أنْ يذهبَ إلى فرعونَ بصُحبةِ أخيهِ سيدنا هارون _عَلَيْهِ السلام_ قالَ لهما عَزَّ مِن قائل: "فقولا لهُ قولًا ليّنًا"، أي حَدّثاهُ باللين، وهو فرعون الذي ادّعى الربوبية، فرعون الذي نَّكلَ بمَن آمنَ باللَّه، فما بالُ أقوامٍ لا يُحدّثونَ مَن آمنوا باللَّهِ باللين، بل ويُرّوعونهم؛ لأنَّهم حاولوا جاهدينَ تأدية فريضة اِفترضها الرحمٰنُ عليهم، لكنْ وللأسفِ الشديدِ بطريقةٍ غير مُشرّعة طِبقًا لقوانينِ المملكة، والمملكة لها الحقُّ في ذلك، لكنْ أوليسَ مُستطاعًا منعهم قبلَ أنْ يأتوا مكة؟
ليكونَ الأمر سهلًا يسيرًا عليهم وعلى قواتِ الأمن الداخلية، لكنْ أنْ يأتوا مكّةَ ويحتموا بالحرمِ، ثُمَّ يتمّ طردهم وترحيلهم إلى حيثُ جاءوا، مُنكسرةٌ خواطرهم، مكلومةٌ قلوبهم، مُتعبةٌ أرواحهم وأبدانهم، بكّائينَ محزونين.. إنَّهُ لعظيمٌ عندَ اللَّهِ، اللَّهُ الذي خلقهم وهو أعلمُ بأحوالهم، أحوالهم التي لا تخفى عليهِ سُبحانَهُ وتعالى.
لو نظرتم عِبادَ اللَّهِ إلى أحوالِ مَن أتوكم ضيوفًا، لعَلِمتم أنَّ حُبّ اللَّهِ هو ما دفعهم ليُجازفوا بما ادّخروهُ من مالٍ طِيلةَ أعوامٍ سابقة، ليؤدوا الفريضة وهذا ما في اِستطاعتهم بعدَ الغلاء الذي طالَ حتّى حجّ بيتِ اللَّهِ الحرام.
الأصلُ في الإسلامِ التيسيرِ لا التعسير، خاصّةً إذا كانَ الأمرُ مُتعلّقًا بفريضةٍ وجبَ على كُلِّ مُسلمٍ أداؤها مرّةً واحدةً في عُمره.
وما ذنب المُسلم الذي يقتطعُ من راتبهِ على مدارِ أعوامٍ ليستطيعَ حجّ بيت اللَّهِ الحرام، ثُمَّ تأتي موجة غلاء لتُعيدهُ إلى نقطةِ الصفر، ثُمَّ يُحاولُ ثانيةً فتأتيهِ موجةٌ ثانية فتُعيدهُ إلى ذاتِ الصفر، وهكذا حتّى يَفنى شبابهُ ويوشكُ أنْ يَلقى ربّهُ فيسعى جاهدًا لتأديةِ الفريضة بما يمتلكهُ من مالٍ.. لكنَّهُ يُفاجأُ بتغليظِ العقوبة من طردٍ وترحيلٍ ويكأنَّهُ وقعَ في كبيرةٍ من الكبائر!
لكَ الحقُّ أنْ تطردَ مَن لا يمتلكُ ثمن الحجّ طِبقًا للقوانين التي شّرعتموها، لكنَّ الأحقَّ أنْ لا يَفوق شرع البشر شرع خالقهم.