ما أصعبَ أنْ ترى الدُّنيا وقد أغلقت أبوابها في
وجهك، لم تَدع بابًا إلَّا وأغلقتهُ بإحكامٍ
شديد، حينها ستظُنُّ أنَّها النهاية
حتمًا لا مفرّ، ولكنَّ ظَنُّكَ هذا غير صحيح؛
فكُلّما ضاقت كُلّما اقتربَ الفَرَج، وما الضِيقُ إلَّا نَذيرُ فَرَجٍ قادم.. فظلام الليل يعقُبهُ ضوء النّهار، قال الشاعر:
"ضاقت فلّما استحكمت حلقاتُها
فُرِجَت وكُنتُ أظُنُّها لا تُفرَجُ ".
قُرّائي الأعزّاء لَكَم أتعبتنا الدُّنيا وأذاقتنا
ألوانًا من عذابها، ولا عَجَبَ في ذلك إنْ كانَ طبعِها كذلك.
تَكَيَّفنا على كَبَدِها فنسعى لنُحقّق ما نرجو غير آبهينَ بأفاعيلها.. فمَن صَبَرَ سَبَق ومَن يَأئسَ خَسِر، ومَن عَانَدَ وَصَلَ، ومَن سَعى وُفِق.
الدُّنيا ذِكرى لمَن وَعى قيمتها، فكُلٌّ سَيرحَل ويَبقى الأثر؛ والذكي مَن انشغل بنفسهِ فعَمِلَ على ما يُبقيهِ حيًّا رُغم غيابه، فالذكرى الحَسنة تُعَدُّ عُمرًا ثانيًا لصاحبها.
كثيرًا ما أعجبني هذا العَالِم أو ذاكَ الذي رَحَلَ مُنذُ أعوامٍ ولرُّبما قرون، ولازال معنا بعِلمهِ الذي يَنهل منهُ مَن رَغِب، هذا هو الأثر الذي يُبقي صاحبه مهما طال الزمان.
أرى الدُّنيا كصحيفةٍ بيضاء يَسطر كُلٌّ منّا فيها ما يُريد، فمَن عَمِلَ على ما يُمكنهُ تركه لإفادة غيره فقد أحسنَ واستُحسِن، ومَن عِمَلَ دونَ ذلك فقد مُحِيَت ذِكراهُ قبل أنْ تَصِلَ لغيره.