أَحَبَّها حينَ رأها حاضنةً كتُبها ذاهبة إلى المدرسة، كَتَمَ حُبّها بقلبهِ حتّى أنهتْ دراستها الثانوية؛ ثُمَّ أخبرها بحبّهِ لها وفَرِحَ حينَ أخبرتهُ بأنَّها تُبادلهُ نفس الشعور وتعاهدا على الزواج.
نُهى.. نُهى كُفِّي عن البكاء فقلبي لا يتحمَّل أنْ يراكِ باكيةً هكذا.
لا أقوى على فراقكَ مجدي، فماذا سأفعلُ في غيابك؟
مجدي: باللَّهِ حبيبتي لن أتأخر عليكِ، فقط سأُسافر لجمع ما ينقُصُني من مال؛ لأُعِدَّ لكِ بيتًا يَليقُ بكِ.
نُهى: وفقك اللَّهُ وأعانك على ما نويتَ فعلهُ وأعادك لي سالمًا غانمًا.
مجدي: نُهى سنبقى على العهد.
نُهى: سنبقى على العهدِ مجدي.
مجدي: والآن حانَ وقت الذهاب، إعتني بنفسكِ نُهى.. أتُريدينَ شيئًا؟
نُهى: سلامتُكَ أُريدُ حبيبي، إعتني بنفسكَ جيّدًا، مجدي لا إله إلَّا اللَّه.
مجدي: مُحمّدٌ رسولُ اللَّه.
مرّت الأيَّام وأنهتْ نُهى دراستُها الجامعية، وظلّت مُنتظرة عودة حبيبها المهندس مجدي
ليتزوجا.
نُهى.. نُهى.
ماذا تُريدينَ أُمّي؟
أُمّ نُهى: قد أرسلت جارتُنا أُمّ عادل خبرًا بأنَّهم سيأتوننا في المساء!
نُهى: وما شأني أُمّي؟
أُمّ نُهى: عجبًا لأمركِ نُهى، فأمّ عادل أخبرتني أنَّ عادلًا يُريدُ الزواج منكِ.
نُهى: أُمّي ماذا تقولينَ؟.. فأنا لا أرغبُ في الزواجِ الآن.
أُمّ نُهى: ومتى سترغبين؟.. حينَ تبلغينَ الأربعين؛ أنصتي إليّ بُنيّتي.. صديقاتُكِ قد تزوجنَّ وأنجبنَّ والآن أولادهنَّ بالمدارس، أمَّا أنتِ فما زلتِ كما أنتِ!
نُهى: سأتزوج وأُنجب وأفعل ما تُريدي حينَ يشأ اللَّه.
أُمّ نُهى: ومتى يشأ اللَّهُ أُستاذة نُهى؟
نُهى: قريبًا أمي قريبًا.
أُمّ نُهى: وماذا سأفعل مع الضيوف؟
نُهى: كما فعلتِ مع غيرهم أُمّ نُهى!
أُمّ نُهى: سأفعل إرضاءً لقلبُكِ بضعتي.
نُهى في خجلٍ: وما شأنُ قلبي؟
أُمّ نُهى مُداعبةً: أتظُنينَنِي لا أعلم؟
نُهى في توترٍ: تعلمينَ ماذا أُمّي؟
أُمّ نُهى: أعلمُ بأنَّ بُنيّتي الصغيرة كَبُرَتْ ودَقَ قلبُها بنبضِ الحُب!
نُهى على استحياء: أجل أُمّي.
أُمّ نُهى: ومَن سعيدُ الحظِ هذا؟
نُهى: المهندس مجدي ابنُ عمّ أحمد البقّال.
أُمّ نُهى: ما شاء اللَّه لا قوة إلَّا باللَّهِ، مجدي خَلوقٌ ومُجتهد جعلهُ اللَّهُ من نصيَبَكِ آمين.
نُهى: آمين أُمّي آمين.
أُمّ نُهى: ولكنَّهُ مسافرٌ على حدِّ عِلمي!!
نُهى: أجل، سافر كي يُعِدَّ نفسهُ للزواج وتعاهدنا على الزواج حينَ يعود.
أُمّ نُهى: وفي أيّ الدول هو؟
نُهى: في إحدى الدول العربية.
أُمّ نُهى: حسنًا، أتُهاتفينهُ؟
نُهى: أجل أُمّي.
أُمّ نُهى: حينَ تُهاتفيه أخبريه بعِلمي بالموضوع وأنّي مُرَحبةٌ به ولا تَنسي إبلاغه سلامي.
نُهى فَرِحةً: حسنًا أمي كما تُريدين.
فَرِحَ مجدي بما أخبرتهُ به نُهى، وأخبرها بأنَّهُ أوشك على الانتهاء من عمله ومن ثَمَّ العودة إلى مصر والزواج منها.
سَعِدت نُهى بما سمعت من مجدي وأخبرت أُمِّها على الفور؛ ففرحت لسعادة ابنتها.
بدأت نُهى تُعِدَّ نفسها لمقابلة حبيبها؛ فقد اِقتربَ الموعد.
نُهى... نُهى ما بكِ بُنيّتي؟
نُهى: سلامتُكِ أُمّي، ولكنَّ قلبي مقبوضًا على مجدي مُنذُ البارحة.
أُمّ نُهى: هاتفيهِ واطمئني عليه.
نُهى: قد فعلتُ منذُ البارحة ولكنَّهُ لم يُجب!!
أُمّ نُهى: رُّبما لديه ما يُنجزهُ من عمل.
نُهى: قد أنهى عملهُ منذُ الإسبوع الماضي وكان يستعِدُّ للمجيء غدًا.
أُمّ نُهى: لا تقلقي، خيرًا إن شاء اللَّه.
وقبلَ أنْ تردّ نُهى على أُمِّها اِرتجَّ الشارع لصراخ امرأةٍ مكلومة؛ خرجت نُهى لترى ما الذي يجري؟
فصُدِمَت حينَ رأت أُمّ مجدي تُبكِيه!!!
عادت لأُمِّها وقبلَ أنْ تنبس ببنت شفة سقطت على الأرض مَغشيًا عليها؛ وتَمَّ نقلها إلى المستشفى لتمكث بها عِدّة أيَّام حتّى تعافت من صدمتها وعادت إلى البيت.
أُمّي ما الذي حدث لمجدي؟
أُمّ نُهى: قد توفاهُ اللَّهُ بُنيّتي.
نُهى: كيف؟.. فقد كانَ بخيرٍ أُمّي.
أُمّ نُهى: قد قتلهُ ابنُ صاحب الشركة التى يعملُ بها!!!
نُهى: كيف قتلهُ؟.. ولِمَ؟
أُمّ نُهى: يقولون أنَّ مجدي ذهب ليُودّعَ صاحب العمل في مكتبه؛ فدخل عليه ابنهُ غاضبًا يُريدُ المال، فنَهرهُ أباهُ وطردهُ ولكنَّهُ لم يستجب، وأخرج مُسدسهُ مُصوبًا نحو أبيه؛ فدفعهُ مجدي ونَهَرَهُ واستدار ليطمئنَّ على صاحب العمل، فإذ به يسقط على الأرض غارقًا في دمائه، تمَّ نقله إلى المستشفى ومات على إثرها.
نُهى:وأين القاتلُ الآن؟
أُمّ نُهى: مُحتَجَزٌ فإمّا أنْ يقبل عمّكِ أحمد الديّة وإمّا أنْ يُقتَصَ منهُ.
نُهى: أُمّي هل لي أنْ أرى عمّي أحمد؟
أُمّ نُهى: سأُرسلُ لهُ الآن.
وبعد دقائق.. نُهى قد جاء عمُّكِ أحمد.
نُهى: أهلًا بك عمّي أحمد.
أبا مجدي: أهلًا بكِ ابنتي.
نُهى:عمّي اسمح لي أنْ أسألك عن ما نَويتَ فعلهُ بخصوص حقّ مجدي.
أبا مجدي: لم يَكُن لدينا سوى مجدي كما تعلمين؛ قد أعطانا اللَّهُ إيّاهُ وقد أخذهُ، ولسنا بحاجة للمال، فالبِقالة تكفينا وتزيد، كما أنَّ مجدي قد ترك لنا مالًا كثيرًا نظير غُربته، ونحنُ لا نقبلُ العوض؛ فالديّة مرفوضة، وأمّا عن القِصَاص فما عند اللَّهِ خيرٌ وأبقى، وإنْ إقتصصنا من القاتل فلن يعود مجدي؛ لذا تنازلنا عن القِصَاص أيضًا، فصاحب الشركة ليس لديه سوى ابنه هذا ولا أُريدُ أنْ أحرمهُ إيّاهُ حتّى وإنْ كانَ مُخطئًا في قتل ولدي، وقد أُجرِيَّ لهُ إختبار إدمان المُخدِرات؛ فكانتْ النتيجة بالإيجاب، فوضعوهُ تحتَ الملاحظة الطبيّة حتّى يستكمل علاجهُ.
أمَّا عنكِ بُنيّتي فهذا لكِ خُذيه!
نُهى: ما هذا عمّي؟
أبا مجدي: هذا نصفُ ما جمعهُ مجدي من مال، وهذه الهدايا قد إبتاعها لكِ، فخذيهم هم مِلكُكِ الآن.
نُهى باكيةً: لكنَّني لا أُريدُ شيئًا سوى سلامتُكَ عمّي.
أبا مجدي: أعلمُ ذلك، ولكنَّ الحقّ حقّ، فقد تَحمّلتِ وصَبرتِ وحَرمتِ نفسكِ من الزواج لأجل ابني؛ ونحنُ مؤمنون باللَّهِ والآن عليكِ بالتفكير بمستقبلكِ كي أرضى عنكِ بُنيّتي.
نظرت إليه نُهى بعينٍ مُدمعةٍ ثُمَّ قبّلت رأسهُ.
فربت هو على كتفها قائلًا: الحمدُ لِلَّهِ الذي عوّضني عن فراق ولدي بحبيبته.