في صِغري كانت لدي قِطّة صغيرة جميلة خضراء العينين أسميتها بوسي، كُنتُ أُحِبُّها كثيرًا فكانتْ تأكُل وتلعب وتنام بجواري، ظلّتْ هكذا حتّى كَبُرَتْ ثُمَّ غادرتْ بعد أن ودّعتني بنظرةٍ حزينة.
مَرّت الأيَّام وأثبتتْ بوسي أن القِطط تأكُل ولا تُنكِر؛ حيثُ أتتني بليلةٍ شتوية فوضعتْ مواليدها ببيتنا الذي تربّتْ بهِ، وظلّتْ ترعاهم حتّى ماتَ إثنينِ منهم؛ لبرودةِ الطقسِ وبقيَ إثنين.
ظللنا نرعاهما حتّى كَبرا بعض الشيء حينها غادرَ أحدهما وبقيَ الآخر يأكُل ويلعب وينام بجوارنا، وتأتيهِ بوسي بينَ الحينِ والآخر حتّى سافرنا وأغلقنا البيت.
كانَ أحد الكلاب يجول الشوارع فاستوقفهُ نُباحَ كَلبٍ مُقيّد بأغلالٍ حديدية صدِئة، اقتربَ منهُ فتحوّلَ نُباحهُ إلى همسٍ، ثُمَّ جلسَ بجوارهِ عِدّة دقائق وغادر.
البعض يَرى في تعذيبِ الحيواناتِ تسليةً لوقته، وهذا لا يجوز شرعًا ولا غيره؛ فكيف يتسلّى المرء بتعذيبِ رَّوحٍ إلَّا لو كانَ بهِ بعض الخلل؟!
هذا يفخر بضربهِ العنيف لقطّةِ الشارع، وآخر يختطفُ أُخرى من بينِ رفاقها ليصعدَ بها أعلى طوابق البناية ثُمَّ يُلقيها لتلقى حتفها!
يا مَن تتفنن في تعذيبِ الحيوانات تخيّل لو أنَّكَ مكانهم!!
ماذا كنتَ ستفعل؟
هل ستسمح لأحدهم بآذيتك؟
هل سترضى بأن يسلبكَ أمانك؟
ولا أقصد هُنا تشبيه الإنسانِ بالحيوان، بل أقصد تشبيه الأفعال والسلوك؛ فليتخيّل المُعتدي على الحيوانات بتعذبيهم لو أنَّ أحدًا من غيرِ جِنسهِ فعلَ بهِ ما يفعلهُ هو بهم، أكانَ ذلكَ يُرضيه؟
الحيوان ليسَ عبثًا كي يُعبَثَ بهِ بل هو خلقٌ من مخلوقاتِ اللَّهِ _سبحانهُ وتعالى_ لهُ جسد ونفس ورَّوح، يفرح، يحزن، يسعد ويتألم أيضًا لكن بلُغةٍ لا نفهمُها، ففهم لُغتهِ مقصور على بني جِنسه.
ما ذنبُ كلبٍ يسعى على رزقهِ فيُصدَمَ بسيارةِ أحدهم ثُمَّ يُوضع جانب الطريق يُعاني حتّى تخرج رَّوحه؟!
وما جِناية تلك القِطّة الصغيرة التي لم يتجاوز عُمرها العام حتّى يعبثَ بها أحد الأطفال فيقتلها عن قصدٍ؟
لا بُدَّ من إيجاد عقوبة للمُعتدينَ على الحيوانات تشمل كافّة أشكال التعدي؛ فالطفل الذي يُمارس سلوك العدوان مع الحيوان سيتطور سلوكه ليشمل الإنسان أيضًا لكنَّها مسألة وقت، فالقتل قتل لا خِلافَ فيهِ بينَ جِنسِ المقتولِ وغيرهِ من الأجناسِ الأُخرى.
كما أنَّ التهاون يؤدي إلى تفاقُمِ الأمر، ولأنَّ الطفل يعلم أنَّ قتل الحيوان مُباح ولا عقوبةَ عليهِ فإنَّهُ يُنّمي سلوكه العدواني بالمزيدِ من الضحايا _المُعتدَى عليهم_ وصدقَ القائل حينَ قال: "مَن أمِنَ العِقاب أساء الأدب"، فلو عَلِمَ الطفل أو ذويهِ جُرم ما يفعلهُ من تعذيبٍ وقتلٍ للحيوان وما يترتب عليهِ من عقوبة لأنتهى هو ولتمَّ ردعهِ من قِبلِهم.
وقد حثّنا الرسول _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ على الرِفقِ في كُلّ شيءٍ فجاء في الأحاديث: عن عائشة رضي اللَّهُ عنها: أَنَّ النبيَّ ﷺ قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفقَ، وَيُعْطِي على الرِّفقِ ما لا يُعطي على العُنفِ، وَما لا يُعْطِي عَلى مَا سِوَاهُ" رواهُ مسلم.
وعنها رَضيَ اللَّهُ عنها: أَنَّ النبيَّ ﷺ قَالَ: "إِنَّ الرِّفقَ لا يَكُونُ في شيءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلا يُنْزَعُ مِنْ شَيءٍ إِلَّا شَانَهُ" رواهُ مسلم.
وعن جرير بن عبد اللَّه رَضيَ اللَّهُ عنهُ قالَ: سمعتُ رَسُولَ اللَّه ﷺ يقُولُ: "مَنْ يُحْرَمِ الرِّفْقَ يُحْرمِ الخيْرَ كُلَّهُ" رواهُ مسلم.
أذكُرُ النصّ النبوي الشريف الذي جاء بهِ ذِكر الحُمّرة ورأفتهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بها، وإليكم هو: "كنَّا معَ رسولِ اللَّهِ في سفَرٍ فانطلقَ لحاجتِهِ فرأَينا حُمَّرةً معَها فرخانِ فأخَذنا فرخَيها فجاءت تعرِشُ فجاءَ النَّبيُّ فقالَ: مَن فجعَ هذِهِ بولدِها؟ ردُّوا ولدَها إليها.
ورأى قريةَ نملٍ قد حرَّقناها.
فقالَ: مَن حرَّقَ هذِهِ؟
قُلنا: نحنُ قالَ: إنَّهُ لا ينبَغي أن يعذِّبَ بالنَّارِ إلَّا ربُّ النَّارِ".
راوي: عبد اللَّه بن مسعود | المحدّث: النووي | المصدر: رياض الصالحين | الصفحة أو الرقم: 519 | خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح | التخريج: أخرجه أبو داود (2675) واللفظ له، وأحمد (3835) باختلافٍ يسير مختصرًا.
وجاء أيضًا: عن عبد اللَّهِ بن عُمر _رَضيَ اللَّهُ عنهما_ أنَّ رسولِ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "عُذّبت امرأة في هرّة، سجنتها حتّى ماتتْ فدخلتْ فيها النار؛ لا هي أطعمتها ولا سقتها إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكُل من خشاشِ الأرض" مُتفقٌ عليه.
كما جاء في الصحيحينِ عن أبي هريرة _رَضيَ اللَّهُ عنهُ_ عن النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنَّ رجلًا رأى كلبًا يأكُل الثرى من العطش، فأخذ الرجل خُفّه، فجعل يغرف لهُ بهِ حتّى أرواهُ، فشكر اللَّهَ لهُ فأدخلهُ الجنّة.
ومن رأفةِ سيدنا عَبْدِ ٱلْرَّحْمَـٰنِ بْنُ صَخْرَ ٱلدَّوْسِيّ _رَضيَ اللَّهُ عنهُ_ بالحيوان فقد لُّقِبَ بأبي هُريرة.