قصّة قصيرة
--
قد عادت هند من المدرسة والحُزن يملأ عيناها، ثُمَّ أخبرتني أنَّ زميلاتها يسخرنَّ منها؛ للحرق الذي أصابَ نصفَ وجهها، ضممتها لصدري لكنَّها تركتني وأسرعت لغُرفتها، وهذا ما أبكاني سعيد.
ربت على يديها وأضاف: لا تحزني سُمية فمَن سيُقوّيها إن أنتِ ضَعُفتِ؟
سُمية بعدما كفكفت دمعها: حسناً سعيد.. فليُدمكَ اللَّهُ لنا حبيبي ثُمَّ قَبّلَت جبينهُ.
ابتاعَ سعيد صندوقاً مُخصصاً لحمل الهدايا مُزيّنٌ بالألوان وذَهَبَ لغُرفة ابنته.
مَن الطارق؟
أبا حبيبته.
تَفضلَ أبي.
دلفَ ثُمَّ جَلَسَ بجوارها على الأريكة المُقابلة للنافذة، واضعاً صندوق الهدايا بجانبها.
رأى دمعها المُخَبأُ بعينها؛ فاحتضنها وقَبّلَ رأسها ثُمَّ حَدّثها: أي بُنيّة.. ما حَدَثَ قد حَدَث، فلا تُهدري وقتكِ بالحسرةِ عليه؛ فأنتِ الخاسرة في ذلك.
نَظرت إليه بعينٍ مُدمعة، ثُمَّ وضعت يداها على وجهها: ولكنَّ وجهي قد تَشوه أبي.
مَن قال ذلك بُنيّتي؟
رَدّت بصوتٍ مُختنق: زميلاتي بالمدرسة أصبحنَّ يسخرنّ مني ويصفنّني بالمُخيفة.
مَسَحَ الأبُّ دمعها وأضاف: إنظري في عيني.. لا تعبأي بسُخريتهنَّ فأنتِ مُميّزة.
تساءلتْ بغرابة: مُميّزة؟
أجابها مُبتسماً: أجل.. فلو أنَّكِ مثلهنَّ ما سَخِرنَّ منكِ.
رَدّت: أنا.
تبسم لها وأضاف: نعم أنتِ، لتتذكري حينَ كنتِ مثلهنَّ قبل أن يُميَّز وجهكِ، أكُنَّ منكِ ساخراتٍ؟
حَرّكت بصرها يميناً ويساراً ثُمَّ أجابت: لا لم يكُنَّ كذلك.
إذاً لماذا يسخرنَّ منكِ الآن؟
فَكَّرت بُرهة ثُمَّ رَدّت مُبتسمة: لأنَّني مُميّزة.
احتضنها ثُمَّ قَرّبَ منها صندوق الهدايا.
نَظَرت إليهِ بضحكٍ.. أبي صندوقٌ جميل.
تَبَسَمَ الأبّ ثُمَّ قال: أخطأتِ بُنيّتي فقد خَدَعكِ ظاهرُ الأمر.
كيف أبي؟
فَتحَ الأبّ الصندوق فرأتَ المُفاجأة.. قد وَضَعَ الأبّ بعض القمامة داخل الصندوق؛ ليوصل لابنته مفهموماً آخر للجمال.
هند: أهذهِ قُمامة أبي؟!
سعيد: نعم هند.
هند: ولكن كيف وظاهرُ الصندوق جميل؟!
سعيد: أحسنتِ بِنيّتي، فظاهر الشيء لا يَدل على ما يحتويهِ دائماً.. ما أوَدُّ قوله أنَّ الجمال ليس بالضرورة أن يكونَ ظاهرياً؛ فهُناكَ جمال لا يُرى ولكنَّهُ يُحَس.
رَدّت هند بسرعة: جمالُ الرَّوحِ أبي.
قَبّلها سعيد ثُمَّ ابتسمَ: أصبتِ هند.
هند: الآن فَهِمتُ مَقصدُكَ أبي.
سعيد: حسناً.. لتأخذي هديتُكِ.
نظرتْ إليهِ وأضافت: إنَّهُ صندوقٌ عتيق لا مَنظرَ له، كيف تُهدينيهِ أبي؟!
رَدَّ مُبتسماً: إفتحيهِ لنَرى.
فَتَحتْ هند الصندوق لتُفاجأ بالحَلوى التي تُفضلُّها.
تعالت ضحكاتها، قَبّلَت أباها، ثُمَّ قالت: أنا هند ذات الجمالَين؛ فإن غابَ جمال وجهي حَلَّ جمال رَّوحي.