حَدَثَ ما لم أظنّهُ قد يَحدُث؛ ظاهرة فاقت كُلّ التوقعات، فريدة من نوعها البغيض، تؤكد مدى تدهور العِلم وانحدار الثقافة العامّة.
أخبرني أحدُهم أنَّ العِلم قد قُتِلَ حينَ رأى ما لم يَكُن يومًا بالحُسبانِ، أُناسٍ تركوا الأخذ بفوائدِ العِلم العميمة واتجهوا لنوعٍ آخر لمُداوةِ مرضاهم، ليسَ بالطبِّ فهُم قد ضربوا بنظرياتهِ عرضَ الحائط، ذهبوا إلى ما يظنّونها تَشفي العليل وتَجبُر المكسور، بالإضافة للراحة النفسية التي يشعرونَ بها حيال قيامهم بالنهلِ منها، إنَّها بالوعة الصرف الصّحي!
والتي تتميّز عن غيرها بكونها تجمع بينَ صرف مياه المجاري الخاصّة بثلاثِ مساجدٍ نوبة واحدة.. هكذا يظنّون.
فأبناءِ تلك المِنطَقة يفخرونَ بما هُم عليهِ من استخدامِ مياهِ الصرف الصّحي في التداوي؛ ليسَ هذا فحسب، بل ذاعَ صيتهم عن فوائدِ تلك المياه في مُعالجة ما عَجَزَ الطبّ عن علاجهِ، حتّى أنَّ بعضًا من المناطق الأُخرى يأتونَ لمُداواةِ مرضاهم ونَيلِ البَرَكَة!
وقد حدّثوا عن بَرَكَةِ بالوعة الصرف الصّحي (الطاهرة كما يزعمون) أحاديثَ كثيرة فهُناكَ مَن يقول: أنَّ المرض أوجعهُ وجعلهُ طريح الفِراش حتّى هداهُ أحدُهم لزيارة الطاهرة (بالوعة الصرف الصّحي) والتبّرُك بمياهها الشافية، ترددَ ثُمَّ عَمِلَ بالنصيحة فذهبَ مرضه، وأصبح يأتي فقط ليتبّركَ بعد أن تداوى منها وبها.
وهُناكَ مَن يزعم أنَّ البالوعة قد غيّرتْ حياته؛ حيثُ جعلتهُ نشيطًا بعد أن مَدّتهُ بالطاقة، ليسَ هذا بعجيبٍ وإن كانَ كذلك، فحالة هذهِ المرأة أعجب بكثير، تقول: أنَّها كانت تُعاني أوجعاً في مناطق مُتفرقة من جسدها، أجبرتها لأن تذهبَ لأكثرِ من طبيبٍ ولكن دونَ فائدةٍ تُذكر، ظلّت تُعاني وتُعاني وتُعاني حتّى عَلِمَتْ من إحداهنَّ بأمرِ البالوعة، أعدَّتْ عُدّتها وذهبتْ، وبعدها بأيَّامٍ أخذتْ تنصح هذا وهذهِ وذاك وتلك وهُم وهُنَّ وهؤلاء وأولئك وغيرهم من بابِ فِعلِ الخيرِ عن طريق النُصح للغير، فهي التي كانت لا تقوى على المشي والحركة، أمَّا الآن وبعد التوضأ بمياهِ الطاهرة (بالوعة الصرف الصّحي) تغير حالها وكأنها نَشِطَتْ من عقال!
لا تسألوني كيف تتوضأ بمياهٍ نَجِسَة؟!
ولكن سالوني كيفَ تعافت من مرضها؟!!!
بعد تفحيصٍ وتمحيصٍ لتلك الظاهرة وفاعلِيها، تَبيّنَ لي أنَّ البعضَ يستخدم الوهم لإراحة نفسهِ من أمرٍ ما؛ فبدلاً من السعي مع الأخذِ بالأسبابِ يلجأونَ لأمورٍ لا تَمُّت للعِلمِ بِصلةٍ بل ولا يقبلها العقل؛ فمثلًا تلك البالوعة المزعومة وما يفعلهُ زوّارها من ترويجٍ لخُرافةٍ من شأنها أن تؤدي إلى دحر العِلم.
من المؤكد طِبيًّا أنَّ مياه الصرف الصّحي يُمكن أن تؤدي إلى الوفاة؛ نتيجة إحتوائها على العديد من الأمراضِ الخطيرة، ومع ذلك فمِثل أولئك يزعمونَ أنَّهم يتعافونَ بالنهلِ منها!
أيّ عقلٍ يقبل ذلك؟
بل كيفَ يقبلونَ هُم على أنفُسهم فِعل ذلك؟!
يرجع الأمر في ذلك إلى تقبُلهم وتهيئتهم نفسياً لفِعلٍ كهذا؛ وذلك عن طريق الترويج بالفوائد العميمة والنتائج المُذهلة لتلك البالوعة، وهذا يُخبرُ ذلك وهكذا حتّى يغشى الوهم عقولهم فيُخيَّل إليهم أنَّهم نجوا من الأمراضِ في حينِ أنَّهم قد غرقوا بها.
إن دلَّ هذا الأمر على شيءٍ فإنَّهُ يَدُل على الغرق بمُستنقعِ الجهل والسيرِ خلف الخُرافة بل وتصديقها.
كانَ بالإمكانِ أن يصبرَ أولئك _الزاعمونَ بقُدرةِ البالوعة على علاجهم من الأمراضِ في حينِ أنَّها هي منبع الأمراض وموطنها_ على الأخذِ بأسبابِ العِلمِ والإنتفاعِ بها في الطبِّ الحديثِ وسيشفيهم اللَّهُ سبحانهُ وتعالى، بدلاً من التقوّلِ على الطبِّ بما ليسَ فيهِ، والسؤال الذي يطرح نفسه هو: كيفَ لمرضٍ لا علاجَ لهُ بالطبِّ _كما يزعمون_ أن يُداوى ببالوعةِ صرف صّحي؟؟!!!