سُبحانَ مَن تطمئنُّ القلوبُ بذِكره!
يا رَبّي، يا إلهي، يا سَيّدي، يا مولاي، يا حبيبي الأعظم والأهم، يا مَن حُبّهِ يسري بدَمي، يا مَن حُبّهِ تخللَ قلبي، يا خالقني وفاطرني، يا راحمني وساترني، يا شافيَني وكافيَني، يا مُعِزَّني ومُكرمني، يا حافِظني ومُغنني، يا هاديني وجابرني.
رَبّي رَحمٰنُ الدُّنيا والآخرةَ ورحيمها أسألكَ أنْ تأذَنَ لي بزيارة بيتكَ الحرام؛ فقد طالَ الصّبر وأضناني الشوق، وعَصَفَ بقلبي الحنين، رَبّي يا مَن مَننتَ عليَّ بشعورِ الأُلفة وإحساس الأُنس، اللهمَّ آنس رَّوحي بمعيّتك وارزقني الصّلاةَ بحرمك، اللهمَّ يا مَن فطرتني وفؤادي يهوي إلى بيتك الحرام لا تحرمني رضاكَ عنّي، واغفر لي برحمتكَ ما كانَ منّي.
سُبحانَ مَن خَلقَ الإحساسَ فجعلهُ جزءًا من الإنسان!
أشعُرُ وكأنَّ رَّوحي كَروفانٍ حُرٍّ طَليقٍ يُحَلِّقُ فوقَ صَحنِ المطاف، أو قُلْ يَطوفُ بالطيران، يَتنّسمُ هواءً لم ولن يتنّسمهُ إلَّا بهذا المكان، يَرى بقلبهِ، يُنصِتُ بلُّبهِ، ويتواصل برَّوحه.
روفانٌ لا حُدودَ لهُ في الكونِ بعد أنْ حرّرهُ إله الكون.
ما أجملهُ من شعور!
روفانٌ يتحرّى مواضعَ موطأ قَدمِ رسولِ اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ ويُسارع في تقبيلها ثُمَّ السير عليها حُبًّا وطاعةً وأخيرًا اِقتداء.
روفانٌ خَلَعَ رادءَ الدُّنيا وتغسّلَ من براثنها بنيّةِ الإحرام، ثُمَّ أفضى ما في قلبهِ بسجدةٍ أمامَ الكعبة فشَفى اللَّهُ مرضه، وأزالَ غُصّته، كما جَبَرَ كسره.
روفانٌ أتعبتهُ الحياة لأنَّها لا تُشبههُ في شيء، فأتى بيتَ اللَّهِ الحرام ليَجد بهِ السكينة والطُمأنينة، كما آنستْ رَّوحهُ بعض الأرواح الشبيهة، وهدأتْ نفسهُ بعد أنْ اطمئنت.
روفانٌ لم يَعُد يشغلهُ سوى كَم صلّيتُ اليومَ من النافلة؟
وغدًا هل سأصوم تطوعًا أم بعدَ غدٍ؟
وهل سأُسابِقُ الزمان في خَتمِ القرآن الكريم عِدّة ختمات أم ختمة واحدة تكفي؟
روفانٌ أصبحَ قلبهُ نورانيًا حينَ مَسّهُ بعض أمان اللَّه.
روفانٌ تَجمَّل قلبهُ مِن نظرِ الرحمٰنِ إليه.
روفانٌ اِتسمَ وجههُ بالوضاءةِ بعد أنْ أهداهُ اللَّهُ الإخلاص.
روفانٌ تَعَسَّلَ دَمَهُ حينَ ارتوى ماءَ زمزم المُبارك.
روفانٌ هانتْ بعينهِ الدُّنيا بعدَ أنْ عرفَ حقيقة الآخرة.
روفانٌ لا يَضّرهُ أحد فهو بمعيّةِ الواحد الأحد.
روفانٌ تَعَمّرَ قلبهُ بالرضا، فحبةُ حِنطةٍ تملأُ مَعدته، وقطرةُ ماءٍ تروي ظمأه.
سُبحانَ رَبّي العظيم الذي ليسَ أحدٌ أعظمَ منه!