أصدرَ هاتفها صوتًا للتعريف بوصول رسالةٍ إليها من قِبَلِ أحدهم.
تركتْ حقيبة ملابسها وأمسكت هاتفها لتتفاجأ بنصّ الرسالة: السلامُ عليكم ورحمةُ اللَّهِ وبركاته.. أعتذرُ عن ما كانَ منّي بشأنكِ، ولتعلمي بأنّني قد حاولتُ التواصل معكِ طِيلة الأيَّام الماضية ولكنَّ الخوفَ تملّكني، خَشيتُ أنْ لا تُجيبي، أعلمُ أنَّكِ لن تغفر لي، والحقُّ معكِ؛ فلا يستحقّ الغُفران مَن غَدَرَ بعدَ الأمان.
لتعلمي بأنّني قد بحثتُ عنكِ في الفتيات اللاتي اختارتهنَّ لي أُمّي وكذا زوجةُ أخي، ولكنّني لم أجدْكِ ففشلَ مشروع زواجي من غيركِ، كابرتُ وعاندتُ وحَلفتُ بأنْ أحيا سعيدًا بدونكِ، فما كانَ منّي إلَّا التكفير عن حِنثِ اليمين.
كثيرًا ما حاولتُ اِخراجكِ من عقلي وفصلكِ عن رَّوحي.. حاولتُ وحاولتُ وحاولتُ ولكنَّ مُحاولاتي باءت بالفشل.
تذكّرتُ يومَ أنْ وعدتكِ بأنْ أظلّ حافظًا لحُبّكِ حتّى تتمّ الأمور، وتذكّرتُ حُلمكِ بيوم الزفاف والفستان الأبيض الملكي بطرحتهِ الكبيرة وذيلهِ الطويل، وتاجهِ الأنيق وقفّازهِ المُزركش كما كُنتِ تُريدين، ذهبتُ إلى السوقِ وابتعتُهُ لكِ وحفظتهُ عندي، لكنَّني تذكّرتُ يوم كسرتُ قلبكِ الطاهر حينَ نقضتُ عهدي (بفسخِ الخِطبة)، وغدرتُ بكِ بعد أنْ تراجعتُ عن اِكمال مسيرتنا معًا طالبًا منكِ أنْ تبحثي عن طريقٍ آخر غير طريقي لتُكملي فيهِ مسيرتكِ وكذا أنا سأفعل.
لكَم ذرفتُ دَمًا على تلك الكلمات وتمنّيتُ لو عادَ بيَّ الزمان فأبتر لساني قبلَ أنْ ينطقها ولكنْ لاتَ حينَ زمان!
ما جعلني أتشّجع وأُراسلكِ اليوم هو معرفتي بقلبكِ الطيّب البريء الطاهر من خَبثِ الدنيا.. وأيضًا لأنّني ذاهبٌ إلى بيتِ اللَّهِ الحرام (مُعتمرًا) عسى بالعُمرة يُغفر لي ما كانَ منّي.. لذا أرجو أنْ تُسامحيني لوجهِ اللَّهِ فمِثلي لا يستحقُّ المُسامحة.
كفكفت دمعها وأرسلت لهُ تقول: السلامُ على مَن اِهتدى وبعد.. أمَّا قبلُ فكُنتَ منّي بمنزلةٍ يَعلمُها رَبّي وتعلمُها، لكَم دعوتُ اللَّهَ أنْ يجمعني بكَ في حلالهِ دُّنيا أُخرى، وأستزدتُ في ذلك، فظلمتني وغدرتَ بي دونَ حقٍّ، وأظلمُ الظُلم ما كانَ بالقلبِ، كُسرتُ بدونِ ذنبٍ جَنيته، فقط لأنَّكَ أنتَ (...) والنذالة ليستْ من شِيَمِ الكِرام.
أمَّا بعدُ فقد دعوتُ رَبّي بطريقٍ لا تَكُن أنتَ فيهِ، وأنْ لا يجمعني بكَ دُّنيا وأُخرى، وأنْ يجعل ظُلمكَ لقلبي سببًا لعِوضٍ جميل من رَبٍّ كريم وقد كان.. فأنعمَ اللَّهُ عليَّ بزوجٍ صَلُحَ بهِ أمري، وجُبِرَ بهِ قلبي، زوجٍ يُشبهُني وأُشبهه، أرتضيهِ لنفسي دُّنيا وآخرة كما ارتضاني هو.
وعنكَ أَيُّهَا الماضي البعيد فلا مكانَ لكَ حتّى في مزبلة ذكرياتي؛ فحينَ تزوجتُ مَلّكتُ زوجي من قلبي وعقلي فأنا لهُ كاملةً مُكمَلة وكذا هو لي.
أمَّا عن المُسامحة فاللَّهُ غفّار غفور رحيم، لذا سأُسامحكَ لوجههِ الكريم، مع عِلمي بأنَّكَ لن تهنأ حتّى بعد العُمرة؛ فظُلمكَ لي يتجسدُ لكَ في كُلّ موقف مُشابه وهذا يكفيني.. يكفيني أنْ يقتلكَ ضميركَ رويدًا رويدًا.
وقبلَ أنْ تضغطَ زِر الإرسال حذفت الرسالة وحظرت الرقم، ثُمَّ أخرجت شريحتها القديمة تلك وألقتها بصندوقِ القمامة، واستبدلتها بشريحتها التي أهداها إيَّاها زوجها، وأنهت وضع تجهيز الحقيبة وسافرت بصُحبةِ زوجها إلى السعودية لأداءِ العُمرة.