مي ألم أقُل لكِ مِرارًا أنَّ يومَ الجُمعةِ هو يومُ بياتنا مع أُمّي؟
مي بصوتٍ مُنخفض: بلى سمير.
سمير في غضبٍ: إذًا عَلَاَمَ التأخير؟
مي: حسنًا سأعُدّ الحقيبة في دقائق.
راحتْ لتُعِدَّ الحقيبة بينما سمير يُهاتفُ أُمّه.
أعدَّتْ الحقيبة وذهبتْ بصُحبةِ سمير إلى بيتِ أُمّهِ في الشارع المُجاور.
رحَّبتْ بهما الأُمّ، ودعتهما لتناولِ الطعام الذي أعدَّتهُ لهما خِصيصًا، ثُمَّ أشارتْ لهما على غُرفتهما، وأخبرتهما بأنَّ المُفاجأة تنتظرهما بالداخل.
تناولا الطعام بسُرعة، ثُمَّ دلفا بعد ما اِستأذنا الأُمّ، ليُفاجأ؛ فقد زيّنتْ لهما الغُرفة، ووضعتْ بها الشموع الحمراء، ونثرتْ وردًا أحمرًا على الأرضيةِ والسرير، كما أشعلتْ بخورًا زكيّ الرائحة، ولم تَنسَ وضع ضوءًا خافتًا لتُكمِل لهما الرومانسية.
أمسكَ سمير بيدِ زوجهِ وطبعها عليها قُبلةً حانية، وأخذَ يُحدّثها بأعسلِ الكلام حتّى لانتْ له، فردَّتْ لهُ القُبلة ولكنْ بينَ عينيه.
مَرَّ وقتٌ يسير وقطعَ السكون صوت سمير وهو ينهر مي، حتّى أنَّ الأُمّ خرجتْ من غُرفتها، وطرقتْ بابهما لتعلمَ ما الذي يَحدُث؟
خَرَجَ سمير مُتذمِرًا يستر جسدهُ بقميصٍ اِرتداهُ على عُجالة، بينما مي تستتر في ملاءةِ السرير، ودمعها يذرف دونَ أنْ تُصدرَ صوتًا.
اِقتربت منها الأُمّ واحتضنتها لتُطمئنها، ثُمَّ خرجتْ وتركتها.
جلستْ أمامَ ابنها وسألتهُ عن سببِ دمع مي وصوتهِ العالي؟
تنّهدَ قبلَ أنْ يُجيبها: لا شيء أُمّي.
ربتتْ على يدهِ بحنانٍ قبلَ أنْ تُضيف: كيفَ لا شيء، ودمع مي لا يتوّقف، وغضبك لم تستطع إخفاءه.
نَظَرَ إليها فرأتْ عَبراتهِ وقد تساقطتْ، احتضنتهُ فأخذَ يبكي كَطفلٍ لم يَحصل على ما أراد.
ثُمَّ أخبرها أنَّ مي لا ترغب به، ورُّبما غُصِبَتْ على الزواجِ منه.
نَظَرَتْ إليهِ الأُمّ بِفَمٍ فاغر، وسألته: مَن أوهمكَ بما تقول ولدي؟
أفعالها قالتْ لي ما أخفاهُ قلبها أُمّي، قالها بحسرةٍ بالغة.
الأُمّ: لا تَكُن عجولًا بُنيّ، تريّث بعض الوقت، فلم يَمضي على زواجكما سوى أسابيعٍ معدودة، رُّبما لم تعتاد طِباعك، رُّبما لم.....
قاطعها سمير: ليسَ الأمرُ كما تظنّينَ أُمّي.
الأُمّ: إذًا ماذا؟
سمير: لا أستطيعُ إخباركِ بشيءٍ خاصٍّ بيني وبينَ زوجتي أُمّي، فهي سرّي وأنا سرّها كما علّمتيني.
تبسمتْ لهُ الأُمّ قبلَ أنْ تُقبّلَ جبينهُ وتُردف: أحسنتَ ولدي، هكذا هي أخلاق الرجال، ما دامَ الأمرُ كذلكَ فلتُجالسها وتسمع منها، ولا تَنسَ أنْ تحنو عليها.
تبسمَ لها وأومأ برأسه.
دلفَ سمير ليَرى مي وقد اِغتسلتْ، واِرتدتْ ثوبًا أنيقًا وتزيّنتْ بالكُحلِ وظلال الشُفاه، بعد ما تطيّبتْ بالطِيبِ الذي يُحِبُّهُ.
لم يستطع أنْ ينبسَ ببنت شفة، اِقتربتْ منهُ وقَبّلَتْ جبينه، وأخذتْ تَنظُرُ لوجههِ ويكأنَّها تتعرّفه، ثُمَّ قدّمتْ لهُ اِعتذارًا عن ما بدرَ منها فأشعلَ غضبه.
قَبِلَ اِعتذارها، وقدَّمَ لها اِعتذارًا عن غضبهِ منها، ثُمَّ قَبَّلها بينَ عينيها، وجلسا يتحدّثانِ فسألها: مي لِمَ قَبِلتِ الزواجَ منّي؟
تفاجأتْ بسؤالهِ لكنَّها لم تُبدي له، وقبلَ أنْ تُجيب اِستحلفها باللَّهِ أنْ تصدقهُ القول.
نَظَرَتْ إليهِ بدهشةٍ وخجل، ثُمَّ أجابته: قد رأكَ إخوتي مُناسبًا فتمَّ الزواج.
ظهرتْ علامات الدهشة على وجهِ سمير، قبلَ أنْ يسألها: ماذا؟
مي بصوتٍ يشوبهُ الخوف: قد صدقتكَ القول.
سمير بصوتٍ حزين: إذًا أنتِ لا تُحبّينني مي؟
مي وكادتْ أنْ تسقط عَبراتها: مَن قالَ لكَ هذا الكلام؟
سمير: ألهذهِ الدرجة تُحِبّينهُ وتحفظينَ لهُ قلبك؟
مي وقد ذرفتْ عيناها: سمير.....
قاطعها: دموعكِ وصوتكِ المُرتجف أجاباني.
مي: سمير باللَّهِ عليكَ لا تظلمني.
سمير وقد ذرفَ دمعه: وما ذنبي أنا مي؟
وما هي جِنايتي؟
قد عَلِمتُ بخبرِ قلبكِ مُنذُ الليلةَ الأُولى التي جمعني اللَّهُ بكِ فيها، لم تستطيعي أنْ تُمّكنينني من نفسكِ برضاكِ، لكنَّهُ الخوفَ من إخوتكِ جعلكِ تُمثلّينَ رغبتكِ بي.
مي: سمير......
قاطعها: لا تقولي شيئًا بل أنا مَن سأقول، أتعلمينَ أنَّني أحببتُكِ مُنذُ زمنٍ لذا اِخترتكِ دونَ غيركِ من الفتيات، ولأنَّني قد وقعتُ في الحُبّ، لذا لن أضغطَ عليكِ بعدَ الآن، وسأترككِ بعضَ الوقتِ لتُفكّرين، وما تُريدينهُ سيحدُثُ ولن يَحدُثَ غيره، ثُمَّ ذهبَ إلى شقته، بينما هي ظلّتْ مع أُمّهِ لتأخذ وقتها في التفكير.
طرقتْ مي بابَ غُرفة حماتها، أَذِنَتْ لها بالدخول، دلفتْ وجلستْ بجانبها، ثُمَّ طلبتْ منها أنْ تُنصتَ إليها فيما تُريدُ البوحَ به، أومأتْ لها حماتها، لتشرع في سردِ ما تحفظهُ بقلبها.
حُرِمتُ الأُبوّةَ أُمّي رُقية، ولم أجدها في أحدٍ بعدَ أنْ حرمنيها أبي عمدًا، حينَ تركنا وذهبَ ولم يعود، حسابهُ على اللَّه، بعدها ظللتُ أتعلّمُ دونَ أنْ أُفكّرَ بالزواج؛ نظرًا لظروفنا وما نَحنُ فيهِ من هموم، حتّى أرسلَ اللَّهُ إليَّ أحدهم ليُشعرني بقلبي، الذي ظننتهُ غير موجود طِيلةَ عُمري، جاءنا خاطبًا وفرحتُ بهِ أيُّما فرح، وسعدتُ سعادةً لم أسعدها من قبل، لكنَّ إخوتي قد رفضوا زواجي، وكسروا فرحتي بهِ فكُسِرَ شيءٌ ما بداخلي، فوّضتُ أمري لرَبّي وأكملتُ تعليمي، وتركتُ فكرة الزواج، لأنَّني أدرى بنفسي، وأعرفُ بقلبي، وأعلمُ أنَّني لن أستطيعَ إسعاد أحد غير الذي أسكنَ اللَّهُ حُبّهُ القلب، لذا رفضتُ الزواج، والقلوبُ بينَ أُصبعي الرحمٰن.
ثُمَّ أتانا سمير خاطبًا فوافقَ إخوتي وأُمّي دونَ أنْ يسألونني رأيي، إذ العُمرُ قد مَرَّ دونَ أنْ أشعُرَ به، ولا بُدَّ من اللحاقِ بقطارِ الزواج قبلَ أنْ يفوتني، وسمير لا ينقصهُ شيء، وكُلّ الفتيات يتمنّينه، وكُلّ العائلات ترغب في مُصاهرته، ونَحنُ كما تعلمينَ أُمّي لسنا وُجهاء، فمعنى أنَّ سمير يُفضّلني على غيري أنَّهُ يُحِبُّني، تَمّتْ الخِبطة في أسبوعين وعقبها الزواج.
قولي لي أُمّي رُقية ءأنا مُخطئةٌ في شيء؟
ثُمَّ اِنهارتْ باكية.
كفكفتْ حماتها دمعها، واحتضنتها، ثُمَّ أخبرتها أنَّها لم تُخطئ في شيء، ونصحتها بأنْ تُفكّر بما يُناسبها الآن، بعد أنْ أضحتْ ثيّبًا لا بِكرًا.
ظلَّتْ مي تُفكّر حتّى اِهتدتْ للحلّ، وهو أنْ تُكمِلَ حياتها مع زوجها سمير الذي يُحِبُّها، مُعرضةً عن فكرةِ الطلاق؛ كي لا تعودَ لإخوتها ثانيةً بعدَ أنْ زوّجها اللَّه، وحتّى لا يتحدّث النَّاس عنها بسوء، إذ لم يَمضي على زواجها سوى أسابيعٍ معدودات.
حاولتْ مي أنْ تُسكِنَ سمير قلبها بدلًا من ساكنهِ فلم تُفلح، أحبَّتهُ حُبّ العِشرة، لكنَّ قلبها مُغلقٌ على مَن فيه.
تفكّرتْ مي في عَلاقتها بسميرٍ فشعرتْ بأنَّها دُمية لا زوجة؛ حيثُ أجبرتْ نفسها على التعايُشِ مع واقعها المُقدّرَ لها، قبلَ أنْ يخلقَ الرحمٰنُ السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، فأضحتْ سنون عُمرها مُجرد أيَّامٍ مُتشابهات، لا غايةَ منها ولا رغبةَ فيها.
قرّرتْ أنْ تُدخلَ السرورَ على قلبِ زوجها، فزوّجتهُ بفتاةٍ خَلوقة، جميلة، نبيلة، ذات نسبٍ مُشرّف، تصغرها بثلاثةِ أعوام، أي أنَّها تصغر سمير بأربعةِ أعوام، وافقَ سمير بعدَ أنْ ألَّحتْ عليهِ؛ كي يُنجبَ منها الولد، بعد أنْ حُرِمتْ هي هذهِ النعمة، وقد كان، فبعدَ عامٍ من الزواج وضعتْ امرأة زوجها توأمينِ من الأولاد، ليسعدَ قلب سمير وتسعد بسعادتهِ مي.