وَضَعَ ليمونهِ الأخضر بجرابٍ صغير ثُمَّ حَملهُ على عاتقهِ وذَهَبَ إلى سوقِ المدينة حيثُ التجمُع الهائل للباعة والزبائن.
اللهمَّ ارزقني برزق زوجتي وولدي.
السلامُ عليكم ورحمةُ اللَّهِ وبركاته.
وعليكم السلام ورحمةُ اللَّهِ وبركاتهُ.. تفضل عمّ، كم من الليمونِ تُريد؟
أنا عيسى ثُمَّ جلسَ بجانبهِ وهَمَسَ لهُ: بعشر حسناتٍ ليمون!
تعجبَ صبري ثُمَّ سألهُ التوضيح فرَدَّ: الليمونة الواحدة بحسنة والحسنة بعشر أمثالها واللَّهُ يُضاعفُ لمَن يشاء.
قَبّلَ صبري رأسهُ وأضاف: ولكنَّني لم أبيعَ بجُنيهٍ واحدٍ فكيفَ لي بالتصدُق؟
تبسمَ لهُ عيسى وأردف: تصدق بما تملك ولا تستهين بهِ ولدي.
أومأ إليهِ مُستحييًا وأضاف: ولكنَّني أخجل أن أتصدّق بمُجرد ليمون شيخ عيسى.
ربت على كتفهِ بحنانٍ أُبوي وأضاف: لا تخجل ولدي فالعدد في الليمون.
لم يعي صبري مقالتهُ ولكنَّهُ فَعلَ كما نَصحهُ؛ فاقتسم الليمون بينهُ وبينَ الشيخ عيسى، وما أن ذَهبَ عيسى حتّى باعَ صبري ما عِندهُ من الليمون، فأغلق جِرابه، ودَسّ جُنيهاتهِ بجيبهِ وعادَ فَرِحًا إلى بيته.
دَسَّ مِفتاحهِ بثقب الباب ففتحهُ ودلف.
صبري حبيبي قد جئتُكَ بميراثي من أبي ثُمَّ تعلقت برقبته.
قَبّلَ جبينها ثُمَّ أزال يداها وأردف: سميرة هو لكِ فلتدّخريهِ.
سميرة: ولكنَّني أُريدُكَ أن تكونَ شريكي في التجارة.
صبري: تجارة ماذا؟
سميرة: تجارة الخُضَر والفاكهة.
صبري: أوتُجيدينَها سميرة؟
سميرة: بالطبعِ أجل، أنسيتَ أنَّي ذات ثانوية تجارية؟
صبري: حسنًا حبيبتي إذًا ما هو دوري؟
سميرة: ستكون رئيس مجلس إدارة مَحِلّ الخُضَر، وأنا سأتوّلى مَهام مَحِل الفاكهة.
صبري: ولماذا لا نجعلهُما معًا؟
سميرة: يُمكن ذلك فيما بعد أمّا الآن فلا يجوز.
صبري: ولِمَ أُمّ مسعود؟
سميرة: حتّى نُكثِر من الزبائن.
صبري مُبتسمًا: حسنًا قد فهمت.
مَرّت الأيَّام ونَمتْ تجارتهما، فأصبَحَ المَحِلّان سلسلة مَحِلّات لتجارة الخُضَر والفاكهة.
ونتيجةً لأسلوبهم المُميّز وحُسن مُعاملاتهم، وجودة منتجاتهم، واِنخفاضِ أسعارهم، فقد فازتْ شركتهم في مُسابقةِ أفضل شركات تجارة خُضَر وفاكهة على مستوى العالم العربي.
حَضَرَ صبري نائبًا عن الشركة بصفتهِ رئيس مجلس إدارتها، أستقبلوهُ بحفاوة، وتَمَّ توجيه الأسئلة إليهِ، أجابها جميعًا عدا سؤال واحد؛ استوقفهُ فبكى ثُمَّ أردف: قد كنتُ فقيرًا لا أملك سوى اِمتهاني لبيعِ الليمون الأخضر، فلمّا وَرِثَتْ زوجتي، جاءتني بميراثها واقترحتْ عليَّ إنشاء مَحِلّان أحدهما للخُضَر والأخر للفاكهة، وتولّيتُ رئاسة مَحِلّ الخُضَر، وتَولّتْ هي رئاسة مَحِلّ الفاكهة.
مضتْ خمس سنوات وقد أصبح لدينا شركة سلسلة مَحِلّات لبيعِ وتغليفِ وتصديرِ الخُضَر والفاكهة، وأمَّا عن فوزي وما أنا فيهِ الآن فالفضل لِلَّهِ الذي أنعمَ عليَّ آنفًا ببيعِ الليمون الأخضر.
فقد كنتُ فقيرًا لكنَّني لم أنَسى يومًا التصدُّق قدر اِستطاعتي، وذات يومٍ أردتُ التصدُّق ولم أكُن قد بعتُ شيئًا من الليمون، فاستحييتُ أنْ أتصدقَ بليمونٍ أخضر، نَظَرَ إليَّ السائل مُبتسماً ثُمَّ قال: لا تخجل ولدي فالعدد في الليمون، ثُمَّ أَخَذَ بعض الليمون وذَهَب.. لم أعَي مقالته.
مَرَّ عامان وقد جاءني السائل بعدما أصبحتُ تاجرًا معروفًا، ضَحِكَ وسألني أَمَا تَودُ معرفة العدد في الليمون؟
أجبتُهُ مُتلهفًا: بلى.
قال مُبتسمًا: حينَ أتيتُكَ ولم أَجِد معكَ سوى الليمون، أخذتُهُ ثُمَّ ذهبتُ بهِ لعددٍ لا بأس بهِ من المُحتاجين، أخذوهُ وقاموا ببيعهِ، ثُمَّ رأيتهم كُلّما بَاعَ أحدهم ليمونه رَفعَ يديهِ إلى السماء داعيًا لكَ بالرزق والبركة، حتّى دَعوا لكَ جميعًا، فعلِمتُ حينها أنَّ اللَّهَ كافيكَ لا مَحالة.. وها أنتَ الآن كما تَرى، فلا تَنسى يومًا أنَّ العددَ في الليمون.